فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (١) وقوله : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) (٢).
والحكيم المسلم لا يستطيع أن ينكر هذه الدّرجات ، وإذن ، فهو عند ما ينظر إلى درجة من الأخلاقية أرفع ، على أنّها واجب حتم ، يعلم على اليقين أنّ دونها مكانا يجوز له أن ينزل إليه ، ويجب عليه أن يلجه عند الضّرورة ، لأنّ التّصلب العنيد الّذي يقف عند الفطرة حتّى النّهاية هو بلا ريب جريمة ، ولذلك قال مسروق : «ومن اضطرّ إلى شيء ممّا حرم الله عليه ، فلم يأكل ، ولم يشرب حتّى مات دخل النّار» (٣).
إننا لا نملك مطلقا أنفسنا ؛ لا نملك أن ننفقها ، ولا نملك أن ندخرها ، وحينما يطلب الشّرع الأخلاقي منا تضحية معينة يجب علينا قبولها عن طواعية ورضا ، فلما ذا نكون ملكيين أكثر من الملك حين يعفينا منها؟. إنّ الإمتثال لأمر الفطرة بوساطة أمر الشّرع الأخلاقي هو الّذي يؤدي قطعا إلى النّيّة الباسلة ، ولكن لا
__________________
(١) البقرة : ١٨٤ ـ ١٨٥.
(٢) النّساء : ٢٥ ـ ٢٨.
(٣) انظر ، الموافقات : ١ / ٢٠٦ ، وقد عالج الشّاطبي في الصّفحات : ٢٠٥ ـ ٢١١ ، مسألة (لا يطلب من المكلف ترك الأسباب المباحة). «المعرب».