ولسنا مهتمين هنا بذكر المناهج الخادعة الّتي يستخدمها صناع وتجار دون تحرج ، حتّى يخفوا معايب سلعهم ، ويرفعوها إلى ما ليست به في الواقع. فتلك مفاسد كبيرة ، ذكرت كثيرا في الأحاديث ، ويكفي أن يعارضها الأمر الصّريح في القرآن ، وهو الأمر الّذي يتطلب في كلّ اتفاق توفر الرّضا الكامل لدى الطّرفين. قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (١).
وهذا التّراضي يفترض ، في الواقع ، أن يكون كلّ شيء في القضايا مستمدا من الشّرع صراحة. وبهذه الشّرعية في كلّ شيء ، وتجاه كلّ شيء ـ يحدد رسول الله صلىاللهعليهوسلم معنى الإيمان في قوله : «الدّين النّصيحة ، لله ، ولرسوله ، ولائمة المسلمين وعامتهم» (٢).
وأكثر تحايلا من ذلك ، تلك الطّرق الّتي يصطنعها لأنفسهم أولئك المثقفون ثقافة قانونية ، فهم ، على الرّغم من تكلفهم إحترام الشّريعة ، وحرصهم على أن لا يصادموا حروفها ـ يحاولون أن يجدوا فيها مخرجا جانبيا يشبع أنانيتهم ، ولقد أشار الحكيم التّرمذي في كتاب «الأكياس والمغترين» إلى عدد من هذه الحيل :
__________________
(١) النّساء : ٢٩.
(٢) انظر ، صحيح البخاري : ١ / ٣٠ ح ٥٦ ، وقد ذكر المؤلف في نصّه : (ولخاصة المسلمين ، وعامتهم) ـ وما نقلناه هو المنصوص عليه من حيث أشار المؤلف. (المعرب). وانظر ، صحيح مسلم : ١ / ٧٤ ح ٥٥ ، بحار الأنوار : ٦٤ / ٢٧٣ ، دعائم الإسلام : ١ / ١٣٤ ، الخلاف : ٣ / ١٨٦ ، منته المطلب : ٢ / ١٠١٠ ، بحار الأنوار : ٩ / ٢٣٢ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٣٢٤ ح ١٩٢٦ ، روضة الواعظين : ٤٢٤ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٤٠٢ ح ٢٧٥٥ ، مجمع الزّوائد : ١ / ٨٧ ، مستدرك الوسائل : ١٣ / ٣٢٧ ، مسند الشّافعي : ١ / ٢٣٣ ، سنن أبي داود : ٤ / ٢٨٦ ح ٤٩٤٤ ، المعجم الأوسط : ٢ / ٤٢ ح ١١٨٤ ، السّنن الكبرى : ٥ / ٢٢٩ ح ٨٧٥٤ ، مسند أحمد : ١ / ٥١ ح ٣٢٨١ ، مسند أبي يعلى : ٤ / ٢٥٩ ح ٢٣٧٢ ، جمال الأسبوع لابن طاووس : ١٨٧.