منها : القاضي الّذي يتقبل بعض الأشياء من أطراف النّزاع على أنّها (هدية) على حين لم يؤتها إلّا بوصفه قاضيا ، ولم تقدم إليه إلّا كرشوة.
ومنها : المدين الّذي يرجو دائنه أن يعطيه مخالصة عامة من كلّ ما يمكن أن يحاسبه عليه ، دون تحديد (تاركا الأمر في نطاق الغموض ، ولكن المخالصة الّتي يظفر بها لا صحة لها أبدا عند الله).
ومنها : الزّوج الّذي تتنازل له امرأته عن جزء من مالها ، كيما تتفادى سوء المعاملة من ناحية زوجها ، (فهذا الصّنيع لا يمكن أن يعتبر بالإختيار الكامل ، بل هو أدنى من أن يكون عطية عن طيب نفس ، على ما إختار القرآن أن يعبر به على وجه الإشتراط ، في قوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (١)
وينبغي أن نوغل في التّأريخ إلى العصر اليهودي لنجد حالات نموذجية من هذه الحيل الملتوية ، الّتي تذهب ، في سبيل ضمان انتظام السّلوك ، إلى حدّ أن تبدأ بتحريف القاعدة ذاتها ، وتشويهها ، وطيها بطريقة أو بأخرى ، حسب الشّهوات ، ولقد أشار القرآن إلى بعض هذه الألاعيب الّتي حاول بنو إسرائيل أن يعثروا عليها حتّى يستبيحوا الصّيد ، يوم السّبت ، دون أن يرتكبوا إثما ، وهو قوله
__________________
(١) النّساء : ٤ ، وانظر كتاب : الأكياس والمغترين ـ للحكيم التّرمذي : ٥١ من المجموع ، قال : «وقال الله تعالى في تنزيله في شأن المهر : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) ـ فهذا يأخذ منها على كره ، ووعيد ، وتعذيب ، وإلحاح ـ (إشارة إلى من يكره امرأته بسوء العشرة على هبته حقها) ـ يقول قد برأتني منه ، ووهبته مني ، فأين شرط الله الّذي شرطه من طيب النّفس ، حيث قال : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) ـ فإنّما أباح له من مهرها ما أخذه بطيب نفسها». وللمؤلف ملاحظة : أنّ الله قال : نفسا ، ولم يقل : قلبا. (المعرب).