ولسوف نجيب عن ذلك بأنّ النّبي صلىاللهعليهوسلم ، بوصفه المفسر الأوّل للقرآن ، قد فهم النّصوص المذكورة على التّحديد ، بمعناها الشّامل ، وتدل الظّروف الّتي بدأ فيها نزول بعض الآيات ـ أيضا ـ على أنّ الإهتمام كان في المقام الأوّل بهذا الخلط من الدّوافع ، أكثر من أي شيء آخر. وتلك هي الحالة الّتي نزل بمناسبتها آخر آية من سورة الكهف ، وإليك القصة : «أخرج ابن أبي حاتم ، وابن أبي الدّنيا في كتاب الإخلاص عن طاووس قال : قال رجل : «يا رسول الله ، إنّي أقف أريد وجه الله ، وأحبّ أن يرى موطني» (١) ، فلم يرد عليه شيئا حتّى نزلت هذه الآية : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (٢).
فإذا تركنا تفسير القرآن ، إلى أقوال النّبي صلىاللهعليهوسلم ، وجدنا الكثير من هذه الأقوال ، فقد روى البخاري ، ومسلم ، واللّفظ له ـ «عن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه : أنّ رجلا أعرابيا أتى النّبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله : الرّجل يقاتل للمغنم ، والرّجل يقاتل ليذكر ، والرّجل يقاتل ليرى مكانه ، فمن في سبيل الله؟. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله» ، وفي رواية : «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (٣).
__________________
(١) مرسل ، أخرجه الحاكم في المستدرك موصولا : ٢ / ١٢٢ ح ٢٥٢٧ و : ٤ / ٣٦٦ ح ٧٩٣٩ ، السّيوطي لباب النّقول في أسباب النّزول : ١٤٦ ، جامع العلوم والحكم : ١ / ١٧ ، الجهاد لابن المبارك : ١ / ٣٤ ح ١٢ ، شعب الإيمان : ٥ / ٣٤ ح ٦٨٥٤ ، التّرغيب والتّرهيب : ١ / ٣١ ح ٣٢ و : ٢ / ١٩٥ ح ٢٠٧٨ ، تفسير الطّبري : ١٦ / ٤٠ ، تفسير ابن كثير : ٣ / ١٠٩.
(٢) الكهف : ١١٠.
(٣) انظر ، صحيح البخاري : ١ / ٥٨ ح ١٢٣ و : ٣ / ١٠٣٤ ح ٢٦٥٥ ، جامع المدارك : ٥ / ٤١٠ ، صحيح ـ