مختلفة من الواجب ، فتنقاد لسلطان الأمر ، ولنهزته معا ـ أتكون مستحقة للذم شأن النّفس الخاضعة لأهوائها خضوعا محضا ، ومجردا ..؟ ..
إنّ هنالك حالة ، مجمعا عليها ، لا يقلل تدخل الشّعور الحسي فيها من قيمة الإرادة في شيء ، وذلك عند ما يكون القرار قد اتخذ بمقتضى الشّرع ، ولكنا على إثر استحسان غيرنا له ـ نرتضيه أكثر ، فالفائدة الّتي ننالها حينئذ في رأينا ليست السّبب في عملنا ، بل هي نتيجة له بصورة ما. وتلك هي الحالة الواردة في الحديث ، حالة الرّجل الّذي قال : «يا رسول الله ، أسرّ العمل ، لا أحبّ أن يطّلع عليه ، فيطلع عليه ، فيسرني ذلك» ـ لقد قال النّبي صلىاللهعليهوسلم عن هذا الرّجل : «له أجران ، أجر السّر ، وأجر العلانية» (١).
إنّ المفسرين متفقون على أنّ هذا القول يصدق في حالة افتراض أنّ انكشاف السّر لم يحدث إلّا بعد أن تم العمل ، فهل يصدق أيضا في حالة ما إذا فوجىء الإنسان ، وهو يؤديه؟ ..
لقد أراد المحاسبي ـ بعد أن ذكر الخلاف في هذه النّقطة ـ أن يحسم النّقاش ، فأحدث تفرقة نوافقه عليها ، فهو يلاحظ في الواقع أنّ السّرور الّذي يحس به المرء حين يرى في طريق الخير ، قد تكون له أسباب مختلفة ، ليس لها كلّها نفس القيمة ، فمثلا : قد يكون منبعا للسرور الأخلاقي الحقيقي أن يعطي المرء القدوة الصّالحة من نفسه للآخرين ، لا لكي ينال الحظوة عندهم ، بل لكي تجد الفضيلة
__________________
(١) انظر ، صحيح التّرمذي : ٤ / ٥٩٤ ح ٢٣٨٤ ، المحاسبي في الرّعاية : ١٩٢ تحقيق الدّكتور عبد الحليم محمود وطه سرور. وانظر ، صحيح ابن حبّان : ٢ / ٩٩ ح ٣٧٤ ، موارد الظّمآن : ١ / ١٧١ ح ٦٥٥ ، مجمع الزّوائد : ٢ / ٢٧٠ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ١٤١٢ ح ٤٢٢٦ ، المعجم الأوسط : ٥ / ٧١ ح ٤٧٠٢ ، المعجم الكبير : ١٧ / ٢٦٣ ح ٧٢٣ ، سبل السّلام : ٤ / ١٨٦ ، حلية الأولياء : ٨ / ٢٥٠.