وأيّا ما كانت الطّريقة الّتي سوف يجاب بها عن هذا السّؤال ، فإننا نبادر إلى القول بأننا نعتقد أنّ المبادىء القرآنية تدعونا إلى أن نكون أقل تشددا بالنسبة إلى المواقف المتوسطة ، منا بالنسبة إلى الطّرف المقابل.
والواقع أنّه إذا لم يكن الشّيء داخلا في نطاق قدرة النّفس ، وإذا كان من المقرر الثّابت ـ من ناحية أخرى ـ أنّه لا أحد يمكن أن يكلّف إلّا في حدود وسائله ، فيجب بداهة أن نفسر جميع الأقوال الّتي تتطلب هذا الإخلاص المطلق على أنّها بناء لنقطة الذروة في القيمة ، الّتي يجب أن تسعى جهودنا نحوها ، دون أن تبلغها أبدا.
ولسوف يكون الإبتعاد عن هذا المثل الأعلى بلا شك «عيبا» ، ولكنه لن يكون «ذنبا» ، سوف يكون نقصا ولكنه لن يكون فسادا وخروجا عن الأخلاق.
ولا حاجة مطلقا إلى أن نكره النّصوص لتفسيرها على هذا النّحو ، إذ يكفي أن ننظر إلى الفروق في اللهجة الّتي يصدر بها الحكم بسوء النّيّة ، والحكم بالنّيّة المختلطة. فمتى ما بدا اختلاط البواعث لاحظنا الإختفاء المنهجي لذلك النّذير بالعقاب ، الّذي تستتبعه النّوايا الآثمة ، ورأينا النّصوص تقتصر على القول بأنّ ذلك لا يستحق أن يوصف بأنّه «في سبيل الله» ، أو أنّه «لا يرضي الله» ، أو أنّه «لا يستحق لديه أجرا» ، أو أن «الله غني عنه» .. إلخ. وما أشبه ذلك من الصّيغ المخففة ، الّتي لا تثبت للعمل صفة الإثمّ ، وإن كانت قد خلعت عنه القيمة الإيجابية.
فأمّا إذا ثبت أنّ الفكرة المحضة للواجب تستطيع أن تتقدم وحدها في قراراتنا ، على جميع الأفكار سواء أكان ذلك بنوع من الإستعداد الفطري ، أم كان