بوساطة تكرار الجهد ، وإذا ثبت أنّ كلّ تشويه يخالط نقاءها لا ينتج إلّا عن إهمال ناشيء عن خطأ ـ فهذه نقطة يجب أن تؤخذ حينئذ في الإعتبار ، ويتعين أن ننظر في درجة الذنب.
كيف لا نفرق ـ في الواقع ـ في حكمنا على نفس حالكة السّواد ، شديدة الفساد ، وأخرى تحاول في صراعها مع الاغراءات الخاصة ـ أن تخفف ، أو توازن ، أو تمحو الشّر بالخير؟. أو لم يحدثنا القرآن عن أولئك الّذين (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) (١)؟.
والحقّ أنّ هذه الآية تتحدث عن عملين منفصلين ، أوّلهما : سيّىء ، والثّاني : وهو الّذي يتمثل بخاصة في الإعتراف بالذنب ، وفي التّوبة عنه ؛ وظيفته أن يكفر عنه ، على حين أنّ الحالة الّتي تشغلنا هنا ، كما يجب أن نعترف ، مختلفة عن ذلك : فهي لا تتصل إلّا بعمل وحيد ، هو نفس العمل ، مدفوعا بنّيّة مختلطة ، تأخذ من الحسن ، والقبح معا. لكن ذلك فيما نعتقد ليس سوى تفصيل ، فالتماثل جوهري بين الحالين ، بحيث توجد فيهما دائما عناصر متنافرة في مجموع العمل ، وبحيث أنّ وجود بعض الأشياء المقبولة بين هذه العناصر يجعلنا نأمل في رد فعل أكثر رحمة ، لدى الحكم الأعظم ، عزوجل. وأمّا أن يظهر هذا الإختلاط في جزء واحد ، أو في أجزاء مختلفة فقليلا ما يهم : ذلك أنّ التّحليل الدّقيق الّذي يقوم به الحكم لن يكون أكثر تدقيقا في حالة منه في حالة أخرى ، لكي يميز فيها الظّروف المخففة ، أو الملطفة. فإنّ القرآن يؤكد لنا في مواضع كثيرة أنّ الحكم
__________________
(١) التّوبة : ١٠٢.