الهوى ، والعاطفة ، فلم يبق للحكم على هذه المجموعات الثّلاث ، بعد تحديدها سوى أن ننصب الميزان ، ثمّ نرى أي الكفتين سوف يرجح.
ومثال ذلك ـ على ما ذكر هذا الأخلاقي ـ أنّ زيدا من النّاس سألك حاجة ، ولنفترض أنّه يستحقها بوصفين : الفقر الّذي أصابه ، ووشيجة القرابة الّتي تربطه بك ، فقضيت حاجته.
فلكي تقيس قيمة عملك ليس أمامك سوى أن ترجع إلى التّجربة الّتي تجريها على نفسك ، فإن كنت متأكدا أنّك حين يتقدم إليك أجنبي في حال الفقر ذاتها ، أو حين يتقدم إليك أحد أقربائك الموسرين ـ يسألك نفس الحاجة ، فإنّك تحس نفس الهزة ، والأريحية ، ففي هذه الظّروف نحكم بأنّ في كلّ من الباعثين ، إذا انفرد ، سلطة متساوية على نفسك ، وقد إجتمعا جميعا ، فأقدمت على الفعل ، وكان الباعث الثّاني رفيق الأوّل (١).
وكذلك الأمر في حالة العكس ، حين لا يظفر الأجنبي الفقير ، ولا القريب الغني بإحسانك ، فإنّ الأسباب المنفردة تكون عديمة الفاعلية بدرجة متساوية.
فأمّا إذا كنت تعرف مثلا أنّ فكرة شقاء الغير تكفي ـ منفصلة عن أي إعتبار ـ لغرض إحسانك ، وأنّ رباط القرابة لا أثر له سوى تسريع حركتك ، دون أن يطيق إثارتها ، وتفجيرها ـ حينئذ تجب التّفرقة بين جانبين في نيتك ، جانب رئيسي
__________________
(١) قدم الغزالي مثالا آخر من ترافق البواعث بالصورة الّتي حددها ، فقال : «وكذلك من أمره الطّبيب بترك الطّعام ، ودخل عليه يوم عرفة فصام ، وهو يعلم أنّه لو لم يكن يوم عرفة لكان يترك الطّعام حمية ، ولو لا الحمية لكان يتركه لأجل أنّه يوم عرفة ، وقد إجتمعا جميعا ، فأقدم على الفعل ...» انظر ، إحياء علوم الدّين : ٤ / ٣٥٤. (المعرب).