عند ما يبيح للحجيج أن يشتغلوا بحياتهم المادية ، خلال سفرهم (بالتجارة مثلا) ، إلى جانب اشتغالهم بواجباتهم الرّوحية ، وذلك قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) (١) ، ولكن على شرط أن تكون الواجبات الرّوحية هي المحرك الأوّل (٢).
أمّا فيما يتعلق بالنصوص الّتي عرفناها من قبل ، والّتي بحكم بالبطلان على كلّ شرك في البواعث ـ فيجب ، كما ذكر الغزالي ، أن نقيدها بالحالة الّتي تبدو فيها هذه البواعث متساوية ، كما تدل عليه كلمة (شرك) عادة (٣).
والغزالي ـ على الرّغم من الطّابع العقلي ، والنّقلي معا لهذا التّصنيف ، والّذي يبدو لنا عند التّجريد ذا سمات صحيحة منزهة ـ لا يدعي بتقديمه أنّه قد وجد الحل العملي النّهائي للمشكلة ، والمقياس الصّحيح الّذي يمكننا من الحكم على أنفسنا بأنفسنا ، على طمأنينة. بل إنّه ـ على العكس ـ يحذرنا من «الخطر العظيم» في أن نركن إلى أحكامنا الخاصة ، الّتي قد تجعل هذا العنصر ، أو ذاك أغلب على قصدنا بين مجموع البواعث.
ثمّ يقول : «نعم ، الإنسان فيه على خطر عظيم ، لأنّه ربما يظن أنّ الباعث الأقوى هو قصد التّقرب إلى الله ، ويكون الأغلب على سره الحظ النّفسي ، وذلك مما يخفى غاية الخفاء ، فلا يحصل الأجر إلّا بالإخلاص ، والإخلاص قلما
__________________
(١) البقرة : ١٩٨.
(٢) ربما ذكرنا في هذا الصّدد أيضا قوله تعالى في سورة الحجّ : ٢٧ ـ ٢٨ : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) وإن لحظنا تقدم الجانب المادي على الجانب الرّوحي في نسق الآية. «المعرب».
(٣) انظر ، إحياء علوم الدّين : ٤ / ٣٦٨.