يستيقنه العبد من نفسه ، وإن بالغ في الإحتياط» (١).
وقد سبق هذا الشّك أيضا لدى المحاسبي ، ولكن بصورة تذكرنا بالنظرية الدّيكارتية عن الدّليل النّظري ، فهو مع إعتقاده أنّه من المكن ، بل مما تفرضه الضّرورة الأخلاقية ـ ألا نبدأ عملا إلّا عن يقين بأننا نقصد به وجه الله وحده ، إلّا أنّه يرى أنّ إنقضاء بعض الوقت قد يتيح الفرصة للنسيان ، أو الغفلة ، مما يستوجب خوفنا من تسرب بواعث أخرى إلى نفوسنا لا نكون متنبهين لها (٢) ، كالإرتياح ، والسّرور بإطلاع النّاس على أعمالنا ، أو ركون القلب إلى شيء من ذلك مما لا يلتفت إليه ، ثمّ لا نزال حذرين حتّى نفرغ ، ثمّ نمسك عن إظهارها ، يقول المحاسبي : «فإذا مضى عليه وقت من الأوقات ، ولو كان كطرف العين ، مما يمكن المخلوق فيه النّسيان ، والسّهو ، فالخوف أولى به ، لأنّه لا يدري لعله قد خطرت خطرة بقلبه : رياء ، أو عجب ، أو كبر ، أو غيره ، فقبلها وهو ناس ، لا يذكر أنّها رياء ، فيكون مشفقا ، خائفا ، فالخوف على عمله ، والوجل والإشفاق من أجل ذلك ، بل الأمل ، والرّجاء أغلب ، وأكثر ، لأنّه قد إستيقن أنّه قد خله بالإخلاص لله وحده ، ولم يستيقن أنّه رأى بشيء منه ، فالإخلاص عنده يقين ، والرّياء هو منه في شك ، فخوفه إن كان قد خالطه رياء كان ذلك الخوف مما يرجو أن يصفيه الله له ، لإشفاقه على ما لا يعلم فيه ، فبذلك يعظم رجاؤه ، وإن لم يكن
__________________
(١) انظر ، إحياء علوم الدّين : ٤ / ٣٧٤.
(٢) ومع ذلك فلا يبدو المحاسبي متشددا في مسألت معرفة ما إذا كان يجب أن يكون لكلّ عمل نيّة جديدة ، مؤكدة الإخلاص ، فعلى الرّغم من أنّه يفضل أن يكون ذلك كذلك ـ يكفي ، كما يؤكد ، أن يصدق المرء في نيّة العامّة ، بألا يطيع الله إلّا لذاته ، ومتى شعر بسيطرة فكرة أخرى وجب أن يدفعها بازدراء ، مجددا نيّته في ألا يعمل إلّا لله. (المحاسبي ـ الرّعاية : ٢٠٠).