في بعض الظّروف ، إلى درجة معينة ـ قد يصل أحيانا إلى حدّ أن يجعل من هذه الرّوح غاية أخيرة ، وقيمة في ذاتها. فهل بنا من حاجة إلى أن نؤكد رفض هذه الطّريقة في النّظر؟
إنّ النّشاط الّذي لا يبذل إلّا من أجل أن يبذل ـ هو اللّعب بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة. وكلّ جهد حاد يفترض أن يكون له موضوع متميز عنه ، يخصه بقيمة معينة ، ويعزم أن يسعى إليه ، بسبب هذه القيمة الّتي خصّه بها.
ومن خلال علاقته مع «الموضوع المنشود» «يكتسب الجهد قيمته» الّتي تعتبر ذريعته «وواسطته».
بل إنّ الجهد ليست له على الأخص ـ قيمة أخلاقية إلّا من حيث هو وسيلة لتحقيق بعض الخير الأخلاقي. فالشعار الّذي يمجد الجهد في ذاته ، دون نظر إلى متعلقه ؛ الجهد بإعتباره تعبيرا عن الدّيناميكية الحيوية ، الّتي تصلح للضر ، والنّفع ، على حدّ قول الشّاعر (١) :
إذا أنت لم تنفع فضر فإنّما |
|
يرجى الفتى كيما يضر وينفع |
هو شعار تمليه الغريزة العمياء ، لا الضّمير الوعي المستنير. ولو كان من الممكن ـ يوما ـ أن نقدر جهد المجرم تقديرا أخلاقيا ، كمنبع للخلق والإبداع ، فلن يكون ذلك إلّا إذا صربنا صفحا عن الموضوع الّذي يقارفه فعلا ، ثمّ نظرنا إلى ما لديه من إمكان أن يباشر موضوعا آخر ، أعني أن يسخر نفسه لخدمة الفضيلة.
__________________
(١) ينسب هذا البيت إلى قيس بن الحطيم كما جاء في ديوانه : ٤٤ ، وفي الصّاعتين : ٢٤٥ ، وقد نسبه إلى الصّولي في أخبار أبي تمام : ٢٨ ، لعبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ، إعجاز القرآن للباقلاني : ٨٣ ، شرح الرّضي على الكافية : ٤ / ٥١ ، مغني اللّبيب : ١ / ١٨٢.