هناك «موقفان فلسفيان» صرحا بميلهما إلى المبالغة في تقدير هذا الجهد الأخلاقي ، وهما ، وإن لم يستلهما المبدأ الّذي رفضناه قبل ، أعني : مبدأ الجهد ـ بوصفه قيمة في ذاته ، فقد جعلا له على الأقل معادلا عمليا.
أمّا الموقف الأوّل : فيتحدث على مستوى الوجود ، وهو يتمثل في القول بأنّ النّفس الإنسانيّة عاجزة عن الخضوع للقانون الأخلاقي برضاها الكامل ، وبدافع الحبّ. ولمّا كان الإنتصار على الشّر ، يكلفنا دائما تضحية ، ويفرض إكراها على ذات الإنسان ، فإنّ الكفاح يصبح في كلّ مكان ، وزمان شرطا في الفضيلة ، والوسيلة الوحيدة لإكتساب السّلوك الحسن.
وقد راق (كانت) أن يكرر في كتاب «دين في حدود العقل» (١) ، كلمة القديس بولس في رسالته إلى أهل رومية : «كما هو مكتوب ، أنّه ليس بار ، ولا واحد» (٢).
وتبرز بعض الأقوال في كتابه «نقد العقل العملي» هذه التّشاؤمية ذاتها ، فهو يقول : «إنّ الدّرجة الأخلاقية الّتي وضع فيها الإنسان ... هي إحترام القانون الأخلاقي ، والحالة الأخلاقية الّتي يمكن أن يكون فيها دائما هي الفضيلة ، أعني : النّيّة الأخلاقية «للكفاح» ، لا تملك القداسة ، وربما كان من تفاهة التّفكير ، والسّطحية ، وشطحات الخيال ، أن نخص الرّوح «بطيبة تلقائية ، .. لا تحتاج إلى محرك يحثها ، أو إلى لجام يكبحها» (٣).
ومع ذلك ، فقد تكشف بعض التّعبيرات عنده عن نوع من الشّك ، أقل صرامة ،
__________________
(١) انظر ، ١ ـ Religion dans les limites de la Raison.
(٢) انظر ، الإصحاح الثّالث : ١٠.
(٣) انظر ، ١ ـ Kant ,Crit.de la Raispon pratique.p ,٩٨.