حالة اتخاذ قرار عظيم الخطر ، نجد أنّ هذه العزيمة الّتي لا يحصل عليها الرّجل العادي إلّا بمجهود شاق ، تتحقق لدى هؤلاء الأشخاص بطريقة أكثر يسرا وطواعية.
وهذه الحالة الشّبه ـ تلقائية يمكن أن تحدث بطريقتين : فإمّا أن تكون منحة ، بفضل استعداد فطري ، وإمّا أن تكون «ثمرة جهد» ، بعد فترة تتفاوت في طولها وفيما تخللها من معاناة.
ففي الحالة الأولى ، حيث تكبت الأهواء إلى مستوى لا يكاد يدركه الشّعور ، وتحتل فكرة الخير في النّفس مكانا سنيّا ، يصبح العمل الصّالح موضوع حبّ ومتعة. وهذه الحال العلوية الّتي تستهدفها الحاسة الأخلاقية هي حال كبّار الصّالحين ، الّتي فطرهم الخالق عليها ، وبخاصة الرّسل ، الّذين اصطفاهم الله منذ البدء ، لتبليغ الرّسالة الإلهية ، و (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (١).
وفي الحالة الثّانية لا تمضي الأمور هكذا إلّا إلى حدّ معين ، وبفضل كفاح شخصي متجدد غالبا. وليس قانونا فقط أن نقول : إنّ استخدام ملكة ما في اتجاه معين يغذي بنفس القدر هذه الملكة المستخدمة ، ولكن الله سبحانه يتدخل بمعونة إيجابية لهداية من يبحث عن الطّريق الصّحيح ، بحثا جادا ، والقرآن الكريم يعلن : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٢). وفي الحديث القدسي عن ربّ العزة تبارك وتعالى : «وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به ، وبصره الّذي يبصر
__________________
(١) الأنعام : ١٢٤.
(٢) العنكبوت : ٦٩.