وَأَهْلَها) (١) ـ فإننا نسلم أنّها استحقت ذلك فعلا : (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) (٢) ـ حينئذ يثور أمامنا سؤال هو : ما ذا بقي إذن لجزائهم؟ .. وكيف نفسر حقيقة أنّ القرآن لا يدخر مدحا إلّا وجهه إليهم ، ولا وعدا حسنا إلّا أعده لهم؟ ..
هنا تظهر بكل وضوح «المناقضة» بين «الجهد» ، و«الإنبعاث التّلقائي».
فأمّا القائلون بالقيمة الذاتية وغير المشروطة للجهد فربما أرادوا أن يلطفوا من حدة رأيهم ، فيقترحوا علينا صورة من الإحتكام. ويقولون لنا : إنّ غيبة الجهد في مواجهة شهوة مستبعدة لا يضعف الخلق ، بشرط أن يبقى هذا الجهد في حالة تحفز ، وحركة لمجاهدة شهوات أخرى باقية ، ولا يحدث إلّا في الحالة القصوى ، ـ عند ما تقهر جميع الأهواء الفاسدة ـ أن تصبح «الأخلاقية» غير ذات موضوع ، لأنّها سوف تخلي مكانها حينئذ «للقداسة».
هذا الحل لا يبدو لنا مقنعا :
أوّلا : لأنّ النّصوص لا تفرق بين نفس أعفيت من هذا الصّراع إعفاء كليا ، وأخرى أعفيت منه جزئيا ، وليس هذا فحسب ، بل يبدو أنّها تضفي أعلى القيم على النّفس الّتي تبغض الرّذائل كلّها ، وتمقتها : (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) (٣).
ومن ناحية أخرى فإنّ الصّيغة ، على الرّغم من تلطيفها ، قد اقتبست كثيرا من المبدأ المتناقض ، الّذي بنيت عليه الصّيغة القديمة ، فهي تنظر دائما إلى الجانب
__________________
(١) الفتح : ٢٦.
(٢) الحجرات : ٨.
(٣) الحجرات : ٧.