فالعمل الأخلاقي الأوّل هو الإرادة ، على وجه الخصوص. وليس المراد فقط إرادة (الخير) من حيث هو مفهوم عام ، يحوطه الغموض وعدم التّحديد ، مما تحتويه العموميات ، بل هو إرادة هذا الخير ، أو ذاك ، محدّدا معرّفا بكيفه ، وكمه ، وغايته ، ووسائله ، ومكانه ، وزمانه.
ولكن بأي معنى يمكن أن نتحدث هنا عن العمل النّشط؟
ـ نستطيع أن نميز «ثلاثة معان» : فهو يتمثل «أوّلا» في «بحث جاد» مستبعدا كلّ تراخ ، عن ذلك الحل المعيّن الّذي يجب أن نأخذ به ، فما ينبغي أن نكل أمر تحديد موضوع إرادتنا إلى تصاريف الطّبيعة الخارجية ، ولا إلى حركات فطرتنا الدّاخلية. وليس دورنا الأخلاقي أن نقف متفرجين على ما يحدث أمامنا ، أو في داخلنا ، ولا أن ننقاد انقيادا آليا للحواس ، أو العواطف الجامحة. بل ينبغي على العكس أن نسمو فوق جميع الإعتبارات الباطنة ، والظّاهرة ، وأن ننظر من عل إلى كلّ الحلول الممكنة ، لنجري إختيارنا واضحا جليا ، وذلك في الواقع هو الجانب الّذي يختص بشخص الإنسان ، كعامل حرّ ، ومستقل ، نسبيا.
وحتّى لو أننا إخترنا هذا الحل ، أو ذاك من الحلول المقترحة دون أن نضيف إليه أي تعديل ، فإننا حين نوافق عليه ، وندمغه بطابع شخصيتنا ، أو ـ في كلمة واحدة ـ حين نتبناه ، حينئذ فقط نستحق أن نعتبر أخلاقيا صانعي أعمالنا.
والقرآن الكريم ، فيما خلا النّصوص الّتي تذكرنا بواجباتنا الخاصة ، ما زال يؤكد أهمية هذا الواجب العام الّذي يضم كلّ الواجبات الأخرى ، فهو يستثير همتنا دون تحديد ، مستعملا الفعل (عمل) في حالة اللزوم ، ويصوغ لذلك أوامر