المسلمين ، أو المستشرقين ، لا من النّاحية النّظرية ، ولا من النّاحية العملية. ونحسب أنّ من الواجب أن نضيف بعض التّحديد إلى هذا التّأكيد المزدوج ، ليصبح أكثر دقة ، ويخلص من كلّ لبس ، أو غموض.
ولسنا ندّعي ابتداء أنّ بحوثنا في المجال النّظري تخوض في أرض لم يرتدها أحد قبلنا ، فإنّ العلماء المسلمين قد أعملوا قرائحهم منذ عهد مبكر في هذا الموضوع : علماء الكلام ، وعلماء الأصول ، فكروا جميعا في مقياس الخير والشّر ، (أو بحسب تعبيرهم : مسألة الحسن والقبح) (١) ، وفكر الفقهاء في شروط المسؤولية ، وفكر الأخلاقيون ، والصّوفية في فاعلية الجهد ، وإخلاص النّيّة والقصد. ولكنا إذا صرفنا النّظر عن أنّ هذه الأفكار قد بقيت متناثرة في مختلف المذاهب الّتي تمسّ الأخلاقية من قريب أو من بعيد ، والّتي لم تعن دائما بوجهة النّظر الأخلاقية بمفهومها الخاص ـ فإنّ النّظرية الأخلاقية الّتي يقدمها هؤلاء تصدر في جانب كبير منها ـ على الأقل ـ عن روح المذهب الّذي ينتمي إليه مؤلفوها ، إن لم تكن من محض نظراتهم الشّخصية ، لأنّ القرآن لا يرد ذكره فيها إلا بصفة مكملة ، شاهدا ، أو برهانا على فكرة ، أو أخرى سبق الأخذ بها.
وأمّا في المجال العملي فمن الحقّ أنّ الغزالي ـ كما نعلم ـ قد حاول في كتابه «جواهر القرآن» (٢) ـ أن يحلل جوهر القرآن ، وأن يرده إلى عنصرين أساسيين ،
__________________
(١) هنالك نزاع بين العلماء في أنّ الحسن والقبح عقليان كما عليه العدلية ، أم شرعيان كما عليه الأشاعرة ، فراجع.
(٢) كتاب جواهر القرآن لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطّوسي (ت ٥٠٥ ه) كما جاء في كشف الظّنون : ١ / ٦١٦ ، كشف الحجب والأستار : ٤٤.