والواقع أنّ القرآن يعلمنا أنّ ذنوب الكبار ضعف ذنوب الآخرين : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) (١) ، (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) (٢) ، على حين أنّ الّذين يجاهدون حتّى لا يقعوا في الكبائر تغفر لهم الصّغائر برحمة من الله : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (٣) ، (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) (٤).
وهكذا نجد في القرآن لكلّ درجة من درجات الدّقة مقتضياتها الخاصة ، كما نجد فيه ـ لكي نبلغ مستوى الكمال الكلّي ـ تصاعدا لا ينتهي.
والحقّ أنّه كثيرا ما يحدث لدى كبّار القديسين أن يحكموا على أنفسهم في سلوكهم العادي بأنّهم أدنى من المرتبة العليا الّتي يطمحون إليها ، ولما كان ماضيهم بالنسبة إلى حاضرهم كحاضرهم بالنسبة إلى مستقبلهم ، ليست هذه كلّها سوى مراحل من التّقدم المستمر ، فإنّ كلّ حالة سابقة تتمثل لهم على أنّها مما يوجب الحياء حقا إذا ما قورنت بما يلحقها ، وبهذا المعنى فسر كثير من الشّراح الآية القرآنية الّتي الّتي تقول : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) (٥) ، وفسروا بنفس
__________________
(١) الأحزاب : ٣٠.
(٢) الأحزاب : ٣٢.
(٣) النّساء : ٣١.
(٤) النّجم : ٣٢.
(٥) الضّحى : ٤ ، وقد ترجم المؤلف هذه الآية على المعنى الّذي ساقها دليلا عليه ، فقال ما معناه : «والمستقبل خير لك من الحاضر» ، والعبارة الفرنسية هي : En verite,le future vaut mieux pour toi