نؤكد أنّ الإنسان حين يكون بحيث يستطيع الوفاء بواجبه الحالي كاملا ، يجب عليه أن يلتزم به ، وأن يثبت عليه ، ولا شيء يضطره إلى أن ينشيء جوا مصطنعا ينهضه إلى واجب مضاد؟ ...
ومع ذلك فلا حاجة بنا أن نلجأ إلى هذا التّعليل القياسي ، ما دمنا نجد نفس النّصيحة في الميدان الأخلاقي ، وذلك عند ما أراد أهل ضاحية من ضواحي المدينة أن يبيعوا ديارهم ليستقروا بالمدينة قريبا من المسجد : «فعن جابر بن عبد الله قال : خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لهم : إنّه بلغني أنّكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد. قالوا : نعم يا رسول الله! قد أردنا ذلك ، فقال : يا بني سلمة ، دياركم ، تكتب آثاركم ، دياركم ، تكتب آثاركم» (١).
ومن المسلم في بعض الحالات أنّ الواجب قد لا يتطلب تعديلا ، بل تغييرا ، فإذا ما عدنا إلى نص مشكلتنا لقررنا أنّ الإنسان المعسر يجب عليه أن يبذل كلّ طاقته كيما يثري ، فهل العكس صحيح؟ .. هل على إنسان موسر إذن أن يصبح معسرا؟ .. كلا ، فإنّ الموقف الإسلامي جدّ واضح في هذا الصّدد.
__________________
(١) انظر ، صحيح مسلم : ١ / ٤٦٢ ح ٦٦٥ ، ونلاحظ في هذا المثال أنّ أي حل آخر سوف يكون مناقضا ، ذلك أنّ الضّاحية تحمي المدينة بصورة ما ، فلو أنّ النّاس جميعا هجروا الأرباض ، والضّواحي لأصبحت المدينة بلا دفاع ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، لو أنّ النّاس شجّعوا على أن يسرعوا إلى مكان معين لنشب بينهم الخلاف ، وفشت الخصومة. وانظر ، صحيح ابن حبّان : ٥ / ٢٩٠ ح ٢٠٤٢ ، المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم : ٢ / ٢٦١ ح ١٤٩١ ، سنن البيهقي الكبرى : ٣ / ٦٤ ح ٤٧٦١ ، المصنّف لعبد الرّزاق : ١ / ٥١٧ ح ١٩٨٢ ، مسند أحمد : ٣ / ٣٣٢ ح ١٤٦٠٦ و ١٥٠٣٤ ، مسند أبي يعلى : ٤ / ١١٥ ح ٢١٥٧.