في الدّنيا ألا تكون بما في يدك أوثق مما في يدي الله» (١).
وكذلك الأمر في حالة العكس ، حالة رجل منقطع ، يتمتع بالضروري قانعا متعففا ، ويتمسك بصورة خاصة بالقيم العليا : فلا ينبغي لنا أيضا أن نغريه بالتخلي عن مثله ، من أجل أن يثرى ماديا.
والحقّ أنّ ما ينبغي على المرء أن يفعله ، غير ما تفرضه عليه السّاعة الّتي يحياها ، هو أن ينوي دائما ـ ولو أنّ نيّته في حيز القوة ـ أن يغير موقفه متى ما غير الوضع وجهه ، أي أن يكون دائما مستعد للهجوم ، وللدفاع ، للعطاء ، وللصبر.
وإذا كان الأمر كذلك فيجب أن نرى بين هاتين الفضيلتين علاقة مساواة في القيمة ، متناسبة مع ظروفهما الخاصة ، ولما كان لكلّ وضع مقتضياته الأخلاقية ، فمن الواضح أنّ من يعرف كيف ينهض به يؤدي واجبه الكامل الّذي لا بديل له ، لا أقل ، ولا أكثر. وتلك فيما نعتقد نتيجة تنبع بالضرورة من الفكرة المميزة لهذه الأخلاق ، أعني أنّها لا ترغب إلينا أن نعمل ضد طبيعة الأشياء ، وإنّما هي تريد أن نكيف أنفسنا معها ، بالمعنى السّامي لكلمة «تكيف» الّذي يستلزم مركّبا من «الشّجاعة» ، و«نبل المظهر».
وانطلاقا من هذا المبدأ يمكن أن نثبت أنّ الموقفين يتساويان في القيمة ، من
__________________
(١) انظر ، سنن التّرمذي : ٤ / ٥٧١ ح ٢٣٤٠ ، وقد روى هذا الحديث ابن ماجه عن أبي ذر الغفاري : ٢ / ١٣٧٣ ح ٤١٠٠٠ ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليس الزّهادة بتحريم الحلال ، ولا في إضاعة المال ، ولكن الزّهادة في الدّنيا ألا تكون بما في يديك أوثق منك بما في يد الله ، وأن تكون في ثواب المصيبة ، إذا أصبت بها ، أرغب منك فيها ، لو أنّها أبقيت لك». «المعرب». وانظر ، نوارد الأصول في أحتديث الرّسول : ٢ / ٤٩ الأصل السّادس والمئة و : ٤ / ٨٥ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٣ / ٤٠٣ ح ٥٢٢٨ ، جامع العلوم والحكم : ١ / ٢٨٩.