وهنا نجد أيضا نفس التّفضيل ، بالنسبة إلى الخير الإيجابي المشترك ، بيد أنّ هذه القيمة الإيجابية موجودة هنا من ناحية أكبر قدر من الجهد ، وأعظم قدر من التّضحية.
ولا مرية أنّه لا يوجد في هذا الموضوع أي أمر قاطع مؤكد ، لأنّ كلّ شيء يصدر عن الأشخاص ، والحالات ، على ما بينه الغزالي (١).
وليس أدنى من ذلك تأكيدا أنّ العزب الّذي يعتزل المجتمع ، ظانا أنّه قادر بهذه الطّريقة أن يحل بعض الصّعوبات الأخلاقية ـ لا يفعل في الواقع سوى أن يهرب من هذه الصّعوبات. فهو لكي يجعل من نفسه إنسانا طاهرا عفيفا يخلق لنفسه عالما مصطنعا ، يستطيع أن يهرب فيه من الخطيئة ، لا بوساطة قواه الذاتية ، بل بقوة الأشياء.
وإذن ، فما كان له أن يحوز ما حاز غيره من بطولة ، واستحقاق ، غيره الّذي يواجه الحياة بشجاعة ، على ما هي عليه ، وبكل ما تتضمن من مسئولية ، ومغامرة ، وتضحية ، والّذي يبذل كلّ طاقته من أجل أن يتغلب على العقبات.
وهكذا نجد النّبي صلىاللهعليهوسلم وقد استلهم القرآن في قوله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) (٢). وقوله : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (٣) ـ فإذا به يستهل نداءه للشباب بأن يوصيهم بالزواج ، بشرط واحد ، هو أن يكونوا قادرين على النّهوض بواجباته الزّوجية ،
__________________
(١) انظر ، إحياء علوم الدّين : ٢ / ٢٢٢ وما بعدها ، طبعة الحلبي.
(٢) النّور : ٣٢.
(٣) النّور : ٣٣.