اعتزلت النّاس فأقمت في هذا الشّعب ، ولن أفعل حتّى أستأذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : لا تفعل ، فإنّ مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، ويدخلكم الجنّة؟ اغزوا في سبيل الله ، من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنّة» (١).
ولا ريب أنّ هناك حالات يفرض فيها على العاقل الإبتعاد عن النّاس ، سواء أكان ذلك لأسباب عامة ، أم كان لدواع شخصية ، وذلك ما يحدث ـ مثلا ـ في فترات الإضطراب الإجتماعي. والواقع أنّه عند ما يسيطر الغموض ، والبلبلة سيطرة شاملة على العقول ، فإنّ الصّلة بالبيئة تدفع كلّ فرد ، إلى أن ينتحي جانبا ، دون أن يملك لذلك دفعا ، وهذا الإتجاه المحتوم إلى تمزيق الأمّة ينتهي غالبا إلى الحرب الأهلية ، وهو ما أوصانا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن نتجنب مغامراته ، وأن نلوذ منه بالفرار في أي مكان ، فقال فيما روي عن أبي هريرة : «ستكون فتن ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من السّاعي ، من تشرّف لها تستشرفه ، فمن وجد فيها ملجأ ، أو معاذا فليعذبه» (٢).
وتلك أيضا حالة تناسب شخصا ذا طبع شديد الحساسية ، أو تبلغ به الصّرامة
__________________
(١) انظر ، سنن التّرمذي : ٤ / ١٨١ ح ١٦٥٠ ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ٧٨ ح ٢٣٨٢ ، مجمع الزّوائد : ٥ / ٢٨١ ، مسند أحمد : ٢ / ٤٤٦ ح ٩٧٦١ و ١٠٧٩٦ ، شعب الإيمان : ٤ / ١٥ ح ٤٢٣٠ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ١٨٤ ح ٢٠٣٥ ، نيل الأوطار : ٨ / ٢٥.
(٢) انظر ، صحيح البخاري : ٣ / ١٣١٨ ح ٣٤٠٦ و : ٦ / ٢٥٩٤ ح ٦٦٧٠ ، صحيح مسلم : ٤ / ٢٢١١ ح ٢٨٨٦ و ٢٨٨٧ ، صحيح ابن حبّان : ١٣ / ٣٠٣ ح ٥٩٦٥ ، المستدرك على الصّحيحين : ٤ / ٤٨٧ ح ٨٣٦١ ، سنن البيهقي الكبرى : ٨ / ١٩٠ ، مسند أحمد : ٢ / ٢٨٢ ح ٧٧٨٣ و : ٥ / ٤٨ ، المعجم الكبير : ٤ / ٢١٨ ح ٤١٨٠.