الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) (١). وفي سورة آل عمران : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (٢).
لكن آيات أخرى كثيرة في القرآن ، وأحاديث كثيرة في السّنّة ، تحتفل فيما يبدو بإمكاناتنا الإنسانيّة ، وقد خطا القرآن الكريم الخطوة الأولى ، في هذا السّبيل ، بالآية الكريمة : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (٣) ، وهي الّتي نزلت على ما أخبرتنا السّنّة ، لتلطيف الحدّة الظّاهرة في آية آل عمران : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ.)
والواقع أنّ قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) يضع حدّا للعمل ، لا بالنسبة إلى ما الله حقيق به ، بمقتضى صفاته ، بل بالنسبة إلى ما يمكن أن يبلغه النّاس ، فهو يعفيهم إذن من كلّ ما يتجاوز مقدرتهم ، ولكنه يبدو في الوقت نفسه وهو يلزمهم بأن يسخروا كلّ قواهم في سبيل هذا المثل الأعلى.
__________________
(١) الحجّ : ٧٧ ـ ٧٨ ، يجب ألا ننسى أنّ كلمتي صراع (lutte) ، وجهاد (combat) في العربية ، والفرنسية ، هما من الألفاظ الدّالة على الجنس ، وهما يصدقان على الجهد الأخلاقي ، أو المادي في جميع المجالات ، وفضلا عن أنّ السّياق لا يتضمن هنا أية اشارة إلى الحرب ، فيبدو لنا أنّ هذه الآيات قد نزلت قبل مشروعية هذا النّظام. والواقع أنّ هذه السّورة في مجموعها لا ترجع فقط للمرحلة الأولى من الهجرة ، بل أنّها تشمل بعض الإستثناءات المكية ، وعلى ما قرره ابن حزم في كتابه (النّاسخ ، والمنسوخ) إنّ ما يزيد قليلا على نصفها الثّاني يرجع إلى مكّة ، وإذن فالنص يحمل الصّفة الضّرورية الّتي تجعله يذكر بمناسبة الجهد بمعناه العام ، الّذي نبحثه هنا ، وكما قال النّبي صلىاللهعليهوآله : «المجاهد من جاهد نفسه» ، (انظر ، التّرمذي : ٤ / ١٦٥ ح ١٦٢١ ، تفسير القرطبي : ١٢ / ٩٩ ، مسند الشّهاب : ١ / ١٣٩ ح ١٨٢ ، نوادر الاصول في أحاديث الرّسول : ٢ / ٢٣٤ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٤ / ٢٠٦ ح ٦٦٢٩ ، تحفة الأحوذي : ٥ / ٢٠٦ ، فيض القدير : ٦ / ٢٦٢ ، كشف الخفاء : ٢ / ٢٦١ ح ٢٢٧٢.
(٢) آل عمران : ١٠٢.
(٣) التّغابن : ١٦.