ونلاحظ أوّلا فيما يتعلق بالحالات الّتي يتعرض فيها الواجب لتعديل مفروض ـ أنّها استثناء ، وليست القاعدة. وهي استثنائية من ناحيتين : استثنائية بين الواجبات ، لأنّها تتصل أساسا بالواجبات الدّينية ، ولا علاقة لها بتكاليفنا الإنسانيّة ، فليس لواجب الأمانة ألف شكل ، ولا لواجب الوفاء بالإلتزام ، ولا لواجب احترام حياة البريء من النّاس ، أو احترام ملكيتهم ، وشرفهم ... إلخ ...
وهي استثنائية في تطبيقها ، لأنّها لا تعفي سوى الضّعفاء ، والمعوقين.
ثمّ نذكر بعد ذلك أنّه ـ حتّى في هذا المجال المقيد بالواجب الدّيني ـ لا علاقة لهذه الحالات بالإيمان القلبي ، وهي لا تؤثر إلّا في جانب مادي معين من الواجب ، مع محافظتها تماما على العنصر الجوهري.
إنّ أخطر المشقات لا تعفي المؤمنين من أداء صلاتهم ، ولا تسمح بأي نسىء لتأريخ الحجّ ، فالتعديل ، حتّى في هذا النّطاق ، ليس إبطالا ، ولا إسقاطا.
وليس يغض من صدق هذا القول أنّ القرآن ، والسّنّة فيما خلا هذه التّعديلات المحددة الّتي أقرتها النّصوص ، والّتي لا يحقّ لنا تعميمها ـ قد أقرا منهجا عاما هو أنّ «الضّرورة قانون» في قوله تعالى : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (١) ، وهما يتصوران هذه الضّرورة في جانبها الرّحب ، والإنساني ، كيما نوفر جهدا قاسيا ، وضارا ، في حياتنا العادية ، ولا سيما الدّينية.
وهنالك نصوص كثيرة تلح على هذا الطّابع الرّحيم في الشّرع القرآني.
أيجب أن نرى في ذلك تشجيعا ما على الإعتدال في الجهد؟ ..
__________________
(١) الأنعام : ١١٩.