مع نفسه ، وهذا هو التّحفظ الّذي ما زال القرآن ينفثه في آذاننا : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) ، (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) (٢).
وهو يثبت من حيث المبدأ بطلان أي عذر لا يستمد منبعه من الصّدق : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (٣).
ولقد يحدث أيضا أن يتخلى المرء عن الجهد قبل أن يصطدم فعلا بإحدى العقبات ، لا بسوء نيّة ، ولكن بنوع من التّراخي ، والإهمال. فهو يتخيل ابتداء أنّ عقبات سوف تصادفه ، فيقول في نفسه : لن أفعل هذا ، فقد أمرض ، ولن أفعل هذا ، فقد يعيبه النّاس عليّ ، ولن أعطي الفقراء ، فقد أصبح الغداة فقيرا. وليست هذه في أكثر الأحيان سوى أوهام محضة ، أو بلغة القرآن ، هي أفكار شيطانية ، والله يقول : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) (٤).
كلا .. فيجب ألا نتقهقر إلّا أمام استحالة واضحة لأعيننا ، أو على الأقل عرفناها بالتجربة معرفة كافية.
يجب أن نبدأ دائما بإرادة الطّاعة ، وأن نشرع في العمل ، حتّى لو بدت المهمة لنا أكثر مشقة : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما
__________________
(١) المائدة : ٣.
(٢) التّوبة : ٩١.
(٣) القيامة : ١٤ ـ ١٥.
(٤) البقرة : ٢٦٨.