فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) (١) (لأنفسهم).
ولقد نصل إلى سدّ لا نتوهم اجتيازه فييسر الله الخروج منه بفضله ، وتجربة الأنفس الكبيرة خير دليل على ذلك ، وحسبنا أن نذكر هنا مثال إبراهيم ، وولده إسماعيل : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (٢) ، أو مثال أمّ موسى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٣). وتلك هي حال من يخضعون لإرادة الله تبارك وتعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (٤) ، (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٥).
ولقد يحدث أخيرا أن يكتفي المرء ـ وهو يؤدي واجباته الأساسية ، ويطرح الذنوب الفاحشة ـ بهذا المستوى المتواضع للرجل الطّيب ، ومعنى ذلك أنّه بدأ ـ دون شك ـ بتثبيت مثله الأعلى عند درجة متوسطة ، هي أقصى ما يبلغه الجهد المعتدل ، وهو خطأ يختلط به «الهدف» و«العمل».
إنّ اعتدال العمل لا ينبغي أن يتأتى ، ولا يمكن أن ينال ، إلّا على أساس نيّة تستهدف أعلى قيمة ، وأسمى درجات الكمال. وأي حدّ يهبط عن هذا المستوى
__________________
(١) النساء : ٦٦.
(٢) الصّافات : ١٠٣ ـ ١٠٧.
(٣) القصص : ٧ ـ ٨.
(٤) الطّلاق : ٢ ـ ٣.
(٥) الإنشراح : ٥ ـ ٦.