تألقه ، ويتجنب التّفريط في حال تقاصره.
وإنّ ذلك ليذكرنا ـ على الفور ـ بنظرية «الوسط العادل» الّتي خصص لها أرسطو مجموعة من الفصول في كتابه : (الأخلاق). ولعل من المفيد أن نسجل تقاربا بين النّظريتين ، ولكنا نرى على وجه التّحديد أنّ مسألة معرفة ما إذا كان يوجد ، أو لا يوجد بينهما بنوّة تأريخية ـ غير مطروحة ؛ فالدنيا كلّها تعرف أنّ القرآن لا حق لنظرية أرسطو ، ولكن الدّنيا كلّها تعرف من ناحية أخرى أنّ من الخطأ البين تأريخيا القول بفرض حدوث استعارة ، فإنّ الصّلة بين الفكر الإسلامي ، والفلسفة الهلينية لم تبدأ في الواقع إلّا بعد قرنين من الإسلام.
وإنّما الّذي نقصده هو أن نحاول أن نرى فقط إلى أي حدّ بلغ تشابههما ، وفيم يتمثل اختلافهما؟ ..
إنّ فكرة «المقياس» فكرة قديمة ، فالفيثاغوريون يرون أنّ العالم عدد وتناسق ، ويعترف أفلاطون في المجال الأخلاقي بوجوب أن يكون تنفيذ كلّ الأشياء بمقياس ، وطبقا لمقتضيات العقل السّليم.
وحين أراد أرسطو أن يقدم لنا هذه الفكرة في صورة أقل تجريدا قال بوجوب إلتزام الوسط العادل أي تجنب الإفراط ، والتّفريط ، أو الزّيادة ، والنّقص.
ثمّ نجد هذا المبدأ العملي نفسه في القرآن ، لا بمناسبة جهد التّقوى فحسب ، كما رأينا آنفا ، بل كذلك بمناسبة «القناعة» : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) (١) ، و«العفة» : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) (٢) ، و«الكرم» :
__________________
(١) الأعراف : ٣١.
(٢) المؤمنون : ٥ ـ ٦.