أمّا القرآن ، الّذي تكمله تعاليم الرّسول صلىاللهعليهوسلم ، فإنّه يقدم على عكس ذلك لكلّ فضيلة مقياسا حسيا ، تسهل معرفته بدرجة كافية ، وتنعدم بفضله تقريبا فرص الخطأ ، والإلتباس.
وحسبنا لكي نقتنع بذلك أن نأخذ مجموعة الأسئلة الأرسطية الّتي سبق أن ذكرناها ، فنطرحها على الشّريعة القرآنية ، ولسوف نجد فيها إجابة محددة عن كلّ نقطة استفهام.
بل وأكثر من ذلك ، فإنّ هذه الشّريعة ـ بعد أن وضعت لكلّ فضيلة مقياسها النّوعي ـ قد دبرت إحكام مجموع الفضائل بالقاعدة العامّة ، الّتي تأمرنا بالتوفيق بين واجباتنا ، بعضها وبعض.
وأخيرا ، فإنّ الإعتدال الّذي يمدحه الإسلام ، فيما يتعلق بدرجة الجهد ، لا يتمثل في (الوسط الحسابي) ، ولا في (نقطة الذروة) ، وهما القولان اللذان يتردد بينهما الفكر الأرسطي ، وإنّما يتمثل الإعتدال في نبل يقترب بقدر الإمكان من الكمال ، مقرونا بالسرور ، وبالأمل ، وهو ما يعبر عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في توجيهاته إلى الرّفق ، ونحو ما هو عدل في ذاته : «إنّ الدّين يسر ، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه ، فسددوا وقاربوا ، وأبشروا» (١).
__________________
(١) انظر ، صحيح البخاري : ٣ / ١٩٩. «المعرب». وانظر ، سعد السّعود لابن طاووس : ٥٢ ، صحيح ابن حبّان : ٢ / ٦٣ ح ٣٥١ ، عوالي اللئالي : ١ / ٦٩ ، سنن البيهقي الكبرى : ٣ / ١٨ ح ٤٥١٨ ، بحار الأنوار : ٧٤ / ٤٠ ، سنن النّسائي (المجتبى) : ٨ / ١٢٢ ، مسند الشّهاب : ٢ / ١٠٤ ح ٩٧٦ ، التّمهيد لابن عبد البر : ٥ / ١٢١ ، كشف الخفاء : ٢ / ٣٧٦ ح ٢٦٤٩.