المعرف. فهو كما قيل عند الفلاسفة المدرسيين : ليس جامعا ولا مانعا ، وبحيث يمكن القول بأنّ الحكمة القرآنية وهي تتجنب الصّيغة الجامعة في هذا الموضوع ـ قد عرفت كيف تتوقف حيث ينبغي لها أن تتوقف.
فلنتقدم أيضا خطوة ، ولننظر إلى الحالة الّتي تتفق فيها النّظريتان على إيصائنا بالإعتدال ، ففيم يتمثل هذا الإعتدال؟.
هنالك أيضا تحتوي إجابة كلّ من النّظريتين على إختلافات طفيفة. إذ يكتفي فيلسوفنا ببعض العموميات المجردة على هذا النّحو ، والّتي يدع لكلّ منها في النّهاية مطلق الإهتمام بتحديد المراد من هذا (الوسط الممتاز).
إنّه يدلنا فقط على وسائل التّحديد ، فيقول : «يجب أن نظهر أعمالنا ، ومشاعرنا في اللحظة المناسبة ، بناء على أسباب مقنعة ، وحيث يوجد من يستحقها ، ولغايات ، لائقة ، وفي ظروف موافقة» (١).
عظيم جدا ، ولكن ما هذا (المناسب ، المقنع ، اللائق)؟ إنّ الّذي يدل عليه بكلّ تأكيد هو «العقل السّليم». وهكذا يبقى معيار الفضيلة عصيا على إدراك جمهور النّاس ، فهو يكمن تماما في ذهن الحكيم.
ولنأخذ مثال الكرم ، حيث يقول أرسطو : «إنّ الشّاق في الأمر هو أن أعرف : لمن يجب أن أعطي؟ وكم؟ ومتى؟ ولما ذا؟ وبأية طريقة؟ ولذلك فإنّ الإستعمال الطّيب للمال نادر .. ويجب على من يهدف إلى الإعتدال أن يبدأ بالإبتعاد عما يبعده عنه .. وأن يكتفي بأقل قدر من الشّرور» (٢) .. وهذه هي غاية التّحديد.*
__________________
(١) المرجع السّابق / الفصل السّادس.
(٢) المرجع السّابق / الفصل التّاسع.