هذا التّقسيم الثّلاثي في عمل أخلاقي جواني لا يقبل القسمة؟ ..
ولنأخذ مثلا «الأمانة» من حيث هي اتفاق باطني للمرء مع نفسه على موقف معين ، ففي هذا المجال فعلا يبدو لنا مبدأ الطّرف الثّالث المستبعد مطبقا بكلّ قوته ، لأنّه إمّا أن يكون صادقا مع نفسه ، أو لا يكون كذلك ، تماما كما يقال : فلان يرى ، أو لا يرى.
ومع ذلك فلنضع أنفسنا في الظّروف المناسبة لهذا التّدرج. هل يجب أن نسلم بأنّ كلّ سلوك يستمسك بالوسط هو سلوك فاضل ، وبالعكس ، كلّ ما يتجاوز هذا المقياس يرتد بمجرد هذا التّجاوز إلى الأعمال الموصومة بالرذيلة؟. إنّ الحبّ ، والبغض ، والإثبات ، والنّفي ، والعمل الّذي ينفع ، ويبني ، والعمل الّذي يضر ، ويهدم ـ كلّ هذه أنواع من التّطرف ، فهل لنا الحقّ في أن نقرر أنّ الفضيلة تتمثل هنا بخاصة في «اللامبالاة» ، و«الشّك» ، و«التّأمل البليد»؟ ..
ومن ناحية أخرى ، عند ما تصرح لنا الفلسفة الأثينية بأنّ الحد الوسط في نظرها هو نقطة التّعادل ، والتّساوي ، أفلا يخشى ألا تكون الفكرة الّتي كونتها لنفسها عن الفضيلة طبقا لهذا المقياس ـ شيئا سوى «العدالة الدّقيقة» ، الّتي إن لم تتجسد في شريعة القصاص ، إذ ينكرها أرسطو فعلى الأقل في شريعة التّناسب الّتي أحلها محلها؟ ..
فما ذا بقي منذئذ للإحسان ، والإخلاص ، والتّضحية ، تلك الفضائل الّتي لا تعدّ ، ولا تحسب؟ ..
وهكذا يبدو لنا التّعريف الأرسطي مخطئا ، تارة «بالزيادة» ، حين يضم حالات لا تناسب الشّيء المعرف ، وتارة «بالنقص» حين لا يشتمل على كلّ