بنفسه تحديد كلّ شيء وتقنينه ؛ فإذا افترضنا أنّ هذا المشروع يمكن أن يتحقق ، فكيف نفسر اقتضاء من هذا القبيل بالغا أقصى مداه ، إلا بأنّه تلمس لأدنى جهد عقلي ، وأخلاقي ..؟ .. إن لم نقل ، إنّه تنازل محض ، وبسيط عن الشّخصية!!
إنّ القرآن لا ينقض ذلك الأتجاه إلى حصر كلّ القواعد ، كما لا ينقض الأتجاه المضاد ، فهل كان هذا التّصرف الحكيم ، وذاك الموقف الوسط الّذي يقف فيه الفرد دائما بمعزل عن طرفي نقيض ـ مجرد أتفاق؟ أو تحكما ، واعتسافا؟ أو أنّ له غاية معينة؟.
إننا لكي نقتنع بأنّ القرآن في إيجازه ، وفي تفصيله ، يهدف إلى تلك الحكمة التّشريعية المنزهة ـ حسبنا أن ننذكر الواقعة التّالية :
«فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا أيّها النّاس ، إنّ الله قد فرض عليكم الحجّ ، فحجّوا ، فقال رجل : أكلّ عام يا رسول الله؟. فسكت حتّى قالها ثلاثا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لو قلت : نعم ، لو جبت ، ولما استطعتم ؛ ثمّ قال : ذروني ما تركتكم (١) ، فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم وإختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» (٢) وفي رواية أخرى أكثر تصريحا ، رواها ابن جرير موقوفة
__________________
(١) يريد أن يقول : لا تستثيروا الوحي ، ولا تفتشوا عن شرائع لتضعوها حين لا تجدوها.
(٢) انظر ، صحيح مسلم : ٢ / ٩٧٥ ح ١٣٣٧ ، تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي : ٧ / ١٦ ، تفسير القرطبي : ٤ / ١٤٣ ، تفسير ابن كثير : ١ / ٣٨٦ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٢٦٥ ، سنن البيهقي الكبرى : ٤ / ٣٢٥ ح ٨٣٩٨ ، مسند أحمد : ٢ / ٥٠٨ ح ١٠٦٥ ، جامع العلوم والحكم : ١ / ٨٩ ، البيان والتّعريف : ٢ / ٥٣ ، المستند المستخرج على صحيح مسلم : ٤ / ١١ ح ٣١٠٨ ، وورد بمعناه في ابن حبّان ـ ذكره السّيوطي في الدّر المنثور : ٢ / ٣٣٥.