بين الواجب العاجل ، والمقتضيات الأخرى الّتي تمليها الأخلاقية. فهما أمران : تكييف ، ومواءمة ، ينبغي أن يتما بوساطة جهد راشد ، بعيد عن الإرخاء ، وعن الغلواء ، الّتي لا ضابط معها.
وبهذه الطّريقة استطاعت الشّريعة القرآنية أن تبلغ كمالا مزدوجا ، لا يمكن لغيرها أن يحقق التّوافق بين شقيه : لطف في حزم ، وتقدم في ثبات ، وتنوّع في وحدّة.
وبهذه الطّريقه أيضا ، أتاحت الشّريعة القرآنية للنفس الإنسانية أن تطمئن إلى سعادة مزدوجة ، تجمع أيضا بين النّقيضين : خضوع في الحرية ، ويسر في المجاهدة ، ومبادأه في الإستمرار ، وقليل من فهم تلك الحكمة الرّفيعة.
ومن ثم أخذ بعضهم على الإسلام أنّه لم يحدد مثلا الطّريقة الّتي يستشار بها الشّعب في القضايا العامة ، ولم يحدد شكل الدّولة المسلمة ، وطريقة إختيار رئيسها : أهي اقتراع شامل ، أم مقتصر على الصّفوة؟. وهل هي جمهورية ، أو ملكية؟ إلخ ...
هذا البحث المفرط في التّحديد القانوني ، يمكن أن يظهر لدى أولئك الذين يضعون القانون ، أو أولئك الذين يخضعون له ، ففي الحالة الأولى يفرض القانون ويحتمه نوع من الحذر لدى المشرعين ، إزاء الأفراد الدّين يناط بهم تطبيقه ؛ ومع ذلك فهو يتجه إلى إلغاء كلّ مبادأة ، وإلى أن يجعل الحياة المشتركة رتيبة ، لا تطاق ، وإلى أن يجعل من أعضاء المجتمع ما يشبه النّسخ المكررة من نموذج آلي واحد.
لكنا قد نصادف بين المحكومين أنفسهم أناسا يودون أن يتولى المشرع