الدّائب أن نستخرج منه الإجابة عن كلّ مسألة ، بالرجوع المباشر إلى النّص.
وهنا تكمن الصّعوبة ؛ فإنّ النّصوص المتعلقة بالنظرية الأخلاقية ليست بالكثرة والوضوح اللّذين تمتاز بهما الأحكام العملية ، غير أنّ هنا سؤالا مسبقا ينبغي أن يطرح :
هل القرآن كتاب نظري؟ أو هل يمكن أن يلتمس فيه ما يلتمس ، من المؤلفات ، والأعمال الفلسفية؟
ـ إنّ الفلسفة بالمعنى المألوف للكلمة هي عمل فكر منطقي ، معتمد على مجرد ومضات الذهن الطّبيعي ، ينتقل فيه المفكر من حكم إلى آخر ، بمنهج معين ، للتوصل إلى إقرار نظام معين ، قادر على تفسير الأشياء في عمومها ، أو تفسير وضع معين لأحد هذه الأشياء. وبدهي أنّ هذا الجهد العقلي ؛ وهذه الخطوة التّدريجية ـ لا يتناسبان مع ضوء وحي ، يغمر النّفس دون بحث ، أو توقع ، ويقدم لها على حين فجأة جملة من المعرفة ، لا تسبق فيها المقدمات نتيجتها ، ولا المقدم تاليه.
فليس القرآن إذن عملا فلسفيا ، بمعنى أنّه ليس ثمرة فلسفية ، وهو لا يستخدم طرق الإكتساب الفلسفي ، بالإضافة إلى أنّه لا يتبع كذلك طرق التّعليم الّتي يتبعها الفلاسفة ، وهي طرائق المنهج العقلي ، التّيى تقوم على : (التّعريف ، والتّقسيم ، والبرهنة ، والإعتراضات ، والإجابات) ؛ وهي كلها امور متلاحمة دون جدال ، ولكنها لا تؤثر إلا على جانب واحد من النّفس ، وهو الجانب العقلي ، على حين أنّ للقرآن منهجه الّذي يتوجه إلى النّفس بأكملها ؛ فهو يقدم إليها غذاء كاملا ، يستمد منه العقل ، والقلب ، كلاهما ، نصيبا متساويا.