فليس يكفي إذن أن نقول : إنّ القرآن لا ينكر الفلسفة الحقة ، وليدة التّفكير النّاضج ، وعاشقة اليقين ؛ ولا يكفي كذلك أن نقول : إنّه يوافقها ، ويشجعها ، وإنّه يرتضي بحثها المنصف ، بل ينبغي أن نضيف إلى ذلك : أنّه يمدّها بمادة غزيرة في الموضوعات ، وفي الإستدلالات.
ولا ريب أنّ القرآن لا يقدم إلينا هذه الحقائق الأساسية مجتمعة ، في صورة نظام موحد. بيد أننا نتساءل : إذا كان نظام كهذا لم يوجد كاملا ، أفلا يوجد في هذا الكتاب جميع العناصر الضّرورية ، والكافية لبنائه؟.
الحقّ أنّه لا مراء في أنّ القرآن مشتمل على جميع العناصر الأساسية للفلسفة الدّينية : أصل الإنسان ، ومصيره ، وأصل العالم ، ومصيره ، ومبادىء السّبب والغاية ، وأفكار عن النّفس ، وعن الله ... إلخ ... وإنّ دراسة مثل هذا الموضوع لجديرة أن يخصص لها عمل مستقل.
فأمّا أن يكون ذلك الكتاب قد تحدث في الوقت نفسه عن أسس النّظرية الأخلاقية ـ فذلكم هو السّؤال الأوّل الّذي طرحناه في دراستنا هذه ، والّذي خصصناه بأعظم قدر من جهدنا.
وإنّا لنعتقد أنّ بوسعنا أن نعلن منذ الآن أننا قد وجدنا لهذا السّؤال إجابة واضحة ، وإيجابية تماما.
إنّ القرآن لا يكتفي في الواقع بأن يضع قاعدة السّلوك ، على وجه أكثر شمولا ، وتفصيلا ، كما لم يفعله أي تعليم عملي ، فقد وجدناه يرسي تحت هذا البناء الضّخم قواعد من المعرفة النّظرية أعظم متانة ، وأشد صلابة. ولتطرح عليه مثلا