والأوسط ، والأكبر ، ويكون للمكتسب معرفة قبلية بثبوت الاوسط للاصغر ، والأكبر للأوسط ، ويكتسب بالقياس حينئذٍ ثبوت الاكبر للاصغر على ضوء مبدأ أولي في العقل يقول : ان كل حد يستقرأ حداً فهو ثابت لكل ما ينطبق عليه ذلك الحد المستقرأ ، فحيث ان المتغير حادث بالاستقراء ، وحيث ان العالم مما يشمله الحد الأوسط المستقرأ مثلاً فهو حادث ، وبهذا نعرف ان طريقة الاكتساب القياسي دائماً هي طريقة النزول من العام الى الخاص ، والتدرج من الكلي الى الجزئي ، بتوسط جزئي نسبي بين المنطلق والمنتهى.
ولأجل هذا قد يقال ، بل قيل : ان القياس لا ينتج معرفة جديدة ، وهذا الكلام بالمعنى الذي اراد قائله وان لم يكن صحيحاً كما اوضحناه في محله ، إلا أنه بمعنى آخر صحيح أي ان المعرفة المستنتجة باعتبارها تطبيقاً لكلي كنا نعرفه فهي كشف عن أمر كان مستتراً في معلوماتنا السابقة ، ودور القياس تفصيل المجملات التي يحفل بها العقل الأول ، والنزول بها الى صغرياتها ومصاديقها ، فلا فرق بين الانسان الأول على وجه الأرض وآخر انسان إلا في تفصيل المجملات. إذا تصورنا الآن كيف تتم عملية الاكتساب في القياس. يمكننا أن نعبر عن العقل النظري المكتسب ، ونفصل قضاياه في قائمة تبدأ في المبادئ الأولى في العقل ، ثم تنزل الى الحدود التي قبلها في مقام التطبيق مباشرة ، ثم الى الحدود الأخص منها ، وهكذا. ويكون كل حد من الحدود المترتبة اوسط بالنسبة الى ما يليه مباشرة ؛ لأنه الواسطة في ثبوت الحد القبلي للحد الذي يليه ، ويكون أكبر بالنسبة الى الحد الذي يتلوه ، كما يكون اصغر بالنسبة الى الحد الذي يتلوه ، كما يكون اصغر بالنسبة الى الحد المتقدم عليه بدرجتين ، وهذه القائمة هي كل حصيلة المنطق الارسطي التي يمكن للمنطق ضمانها.
ولنر الآن ما اذا كان من الممكن ان نضع كل قضايا العقل النظري في هذه القائمة لأجل ان تكون كلها مكتسبة اكتساباً منطقياً قياسياً ، ان هذا غير ممكن بالتدقيق ؛ لأن ثبوت كل حد للحد الذي يليه مباشرة إما أن يكون بديهياً في رأي المنطقيين الارسطيين ، وإما أن يكون نظرياً مكتسباً ، ولا ثالث في زعمهم ، وكلاهما غير معقول أما ان يكون بديهياً فان لازم ذلك عدم وقوع الخطأ في العقل النظري