كما أن كون المفاهيم من الدلالات الإطلاقية السياقية أقرب لدى العرف من كونها من الدلالات الوضعية ، ويشهد له أصالة عدم التفات الواضع إلى هذه الخصوصية ، وإن كان من لوازم الكلام عرفا فيما إذا كان ترتب الجزاء على الشرط على نحو ترتب المعلول على العلة التامة ، وذلك لأن هذا اللزوم أعم من أن يكون ملحوظا حين الوضع ، كما هو واضح.
الثاني : ، ويسمى (بمفهوم الموافقة) ، والأولوية ، والفحوى. كقوله تعالى : إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ فيدل على ترك اللهو واللعب بالأولى ، وقوله تعالى : فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ فيدل على حرمة الإيذاء بالأولى.
وأما مخالف له ويسمى (بمفهوم المخالفة) ، كقوله تعالى : فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ .
الثالث : لا ريب في أن شخص الحكم المتقوّم بالموضوع في المنطوق ينتفي بانتفائه قهرا ، ولا ينبغي أن يكون ذلك مورد النزاع ، ولذا اتفقوا على أنه لا مفهوم في الوصايا ، والأقارير ، والأوقاف ونحوها ، إذ ليس المنشأ فيها إلا شخص الحكم المتقوّم بموضوع خاص ، فليس ذلك كله من المفهوم في شيء أبدا. ومورد البحث في المفهوم انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الموضوع ، لا انتفاء شخصه.
إن قلت : إن ما حدث في المنطوق إنما هو شخص الحكم ، وهو منتف بانتفاء موضوعه قهرا ، والسنخ لم يحدث أصلا حتى يبحث عن انتفائه أو عدمه.
قلت : المنشأ في المنطوق إنما هو طبيعي الحكم وهو غير مقيد بخصوص الموضوع وإن تقيد حصة منه بذلك ، وإن شئت قلت : إنه إن كان القيد قيدا لطبيعي الحكم المنشأ فلا ريب في المفهوم ، لأن زوال حصة من الطبيعي بزوال الموضوع لا يوجب زوال أصله ، وإن كان للحصة فلا ريب في عدم ثبوته ، لانعدام أصل الحكم المنشأ حينئذ.