القسم الثالث : النفسي والغيري
والأول ما امر به لا لأجل تكليف آخر ، بخلاف الثاني فإنه ما كان أمره لأجل التمكن من تكليف آخر ، ويكون ذلك التكليف كالعلة الغائية لإيجابه ، سواء كان الأمر به مستقلا أم لا ، وسواء كان متقدما عليه أم متأخرا أم مقارنا ، وسواء كانت فيه مصلحة نفسية أو لم تكن.
ثم إنه إن علم ـ ولو بالقرائن ـ خصوص النفسية أو الغيرية فهو ، وإلا فمقتضى أصالة الإطلاق عدم كون الإيجاب والبعث عن داع غيريّ ؛ بل لنفسه فيثبت الوجوب النفسي بالإطلاق ، هذا بحسب الأدلة اللفظية.
وأما بحسب الاصول العملية ، فإن علم بعدم وجوب ذي المقدمة ، أو لم يعلم به ، فمقتضى أصالة البراءة عدم فعلية الوجوب مطلقا ، وإن علم به وقلنا بأن العلم بجنس الوجوب يجزي في تنجزه ، كما هو مقتضى مرتكزات المتشرعة وجب الإتيان به. وإلا فلا لأصالة البراءة ، ولكن لا تصل النوبة إليها مع وجود الإطلاق في البين.
ثم إنه لا ريب في ترتب الثواب على امتثال الأوامر النفسية مع الشرائط المعتبرة. وأما الأوامر الغيرية فالمعروف أنه لا ثواب لامتثالها ، لعدم المصلحة فيها ، بل لا مصلحة لإيجابها إلا إتيان غاياتها.
ولكن يرد عليه .. أولا : أنها أعم من ذلك ، كما تقدم.
وثانيا : مقتضى إطلاق قوله تعالى : مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وقوله تعالى : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وقوله تعالى : مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ وغيرها مما هو كثير كتابا وسنة ، ترتب الثواب على امتثالها أيضا بعد صدق الحسنة والخير والعمل الصالح عليها.