الأمر العاشر :
الدلالة التصديقية عبارة : عن دلالة الكلام على أن المتكلم معترف بكلامه وجازم به ، وهي معتبرة لدى العقلاء مطلقا في المحاورات والاحتجاجات وغيرها ، ولا ريب في توقفها على إرادة المتكلم ، وإلا فلا وجه لاعتبارها أصلا ، إذ لا وجه لاعتبار ما لا إرادة فيه.
فكل كلام يصدر اختيارا من أي متكلم يدل على أنه معترف بمفاد كلامه ، ما لم تكن قرينة حالية أو مقالية على الخلاف.
والدلالة التصورية عبارة عن خطور المعنى في ذهن السامع عند سماع الكلام ، وعن جمع أنها أيضا تتبع الإرادة ، وعن آخرين نفي ذلك ، ويمكن الجمع بين القولين : بأن من قال بالتبعية ، أي التبعية للإرادة الاستعمالية ، لأن الدلالة معلولة الاستعمال ، والاستعمال معلول الإرادة. ومن قال بعدمها أي الإرادة الحاصلة من جزم نفس المتكلم أو تجزمه بما تكلم به ، إذ الإرادة الاستعمالية ليست تابعة لتلك الإرادة ، لصحة كون الاستعمال لدواع أخر غير جزم النفس بما يقوله.
إن قلت : فعلى هذا لو سمع الكلام من متكلم بلا شعور وإرادة ، يلزم أن لا تكون فيه الدلالة التصورية ، مع أنه خلاف الوجدان.
قلت : لا ريب في وجود الدلالة فيه أيضا ، لكنها من جهة انس الذهن وارتكازه بالإرادة الاستعمالية ، لا من جهة اخرى ، فلا نقض ولا إشكال.
وأما ما ذكره في الكفاية من أنه يلزم كون وضع عامة الألفاظ عاما والموضوع له خاصا ، لمكان أخذ الإرادة الشخصية فيه.
فلا وجه له ، لأن الإرادة المأخوذة إنما هي بنحو دخل لحاظ الغاية في المغيا ، لا بنحو دخل الجزء في المركب.