منها : القول بتغاير الطلب والإرادة ، وأن ما هو في مورد إيمان العباد إنما هو الطلب دون الإرادة ، وتخلّف الطلب عن المطلوب ممكن ، وإن لم يمكن تخلّف المراد عن الإرادة.
وفيه ما لا يخفى : فإنّه مجرد الدعوى ، مع أن نفي الإرادة في مورد إيمان العباد خلاف ظواهر جملة من الآيات والروايات.
ومنها : أن الإرادة إنما هي الفعل والإحداث ، فهي من صفات الفعل ، سواء كانت في الله تعالى ، أم في العبد ، ولا تخلّف لمراده تعالى عن إرادته في المقام ، لأن فعله تعالى بالنسبة إلى العبيد هو الدعوة إلى الإيمان والبعث نحو الخيرات ، والزجر عن الشرور ، وقد فعله الله تعالى بإنزال الكتب وبعث الرسل بالنحو الأتم الأكمل ، فلا وجه لتخلّف المراد عن الإرادة.
ومنها : أن الإرادة علة تامة لحصول المراد ، إن لم يكن اختيار الغير فاصلا بين الإرادة والمراد. وأما مع فصله فلا وجه لكونها علة تامة ، وإلا لزم الجبر حينئذ مع اختيار الإيمان ، بل ومع اختيار الفسق والعصيان أيضا. وتقدم في دفع شبهة الجبر ما ينفع المقام ، فراجع.
وأما الشبهة الثالثة ـ وهي شبهة الكلام النفسي ـ فقيل فيها : أنه لا ريب في صق المتكلم عليه تعالى ، وقال عزّ من قائل : وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً . فإن كان المراد بالتكلّم فيه تعالى نفس هذه الأصوات والحروف والهيئات المستحدثة ، لزم كونه تعالى محلا للحوادث ، وهو تعالى منزّه عنها.
واجيب عنها : بأن الكلام فيه عزوجل قديم قائم بذاته ، وهو غير العلم ، والإرادة وسائر الصفات ، وهذه الحروف والأصوات والهيئات مخلوقة كاشفة عنه ، لا أن تكون عينه حتى يلزم كونه تعالى محلا للحوادث.
وفيه : أن التكلم عبارة عن إيجاد الحروف والأصوات والهيئات الخاصة ، سواء كان بالآلات الخاصة ، كما في تكلمنا ، أم الإبداع كما في تكلّمه تعالى.