وإنما ذكر بصورة الدوام لمصلحة ، بلا فرق بينه وبين سائر الموقتات ، إلا أن التوقيت في النسخ كان بتعدد الدال والمدلول ، وفي غيره من الموقتات يمكن أن يتكفل دليل واحد لذلك ، وإن شئت فقل : إن التوقيت في سائر الموقتات بجعل واحد ، وفي النسخ بتعدد الجعل.
ثم إنه لا يخفى أن النسخ في الشرائع الإلهية بالنسبة إلى اصول الدين قليل جدا ، بل لا وجه له ، وكذا بالنسبة إلى الفطريات العقلية التي كشف عنها الشارع ، وكذا بالنسبة إلى مهمات فروع الدين ـ من الصلاة ، والصوم ، والزكاة ونحوها ـ وإنما التغيير في جزئيات قليلة تقتضيها الظروف والأزمان ، فتبدل الأحكام والشرائع المتعددة كتبدل حالات المصلي في الشريعة الختمية من الصحة والمرض ، وفقد بعض الشرائط ووجدانه. فما قيل : إن الأصل في كل شريعة أن ينسخ ما قبلها.
ساقط لا أساس له أصلا. وقد فصّلنا القول فيه في التفسير فراجع.
البداء
وهو وجداني لكل فاعل مختار ، وقد دل الكتاب الكريم ، والسنّة المستفيضة على ثبوته بالنسبة إلى الله تعالى أيضا. قال تعالى : يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ، وفي الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام : «ما عبد الله بمثل البداء ، وما بعث الله نبيّا إلّا بالإقرار بالبداء».
وحقيقته تجدد الاختيار للفاعل المختار لمصلحة ، وليس متقوّما بالجهل والندامة وإن تحققا بالنسبة إلى بداء غيره عزوجل ، كما أن السميع والبصير بمعنى العلم بالمسموعات والمبصرات وليسا متقوّمين بالجارحة الخاصة وإن تقوّما بها في السمع والبصر الحيوانيين ، ولا ريب في صحة إطلاقهما عليه عزوجل مع امتناع الجارحة بالنسبة إليه تعالى ، وكذا لا ريب في صحة الإطلاق