الواقع ولكن انشأ في صورة الدوام لمصلحة في ذلك ، فليس في الحقيقة نسخ بالنسبة إلى شيء وإنما أظهر ثانيا أن الحكم الأول كان محدودا بحد معين فانقضى حدّه ، ثم إنشاء حكم آخر لمصلحة اخرى يقتضيها الوقت ، وتبدل المصالح والمفاسد بحسب الظروف والمقتضيات والحالات مما يشهد بصحته الوجدان والبرهان.
الرابع : كون الحكم ذا مصلحة كاملة من جميع الجهات ، ومقتضية للدوام أيضا كذلك ، ثم تبدلت تلك المصلحة باخرى مساوية أو أقوى اقتضت رفع الحكم الأول ونسخه ، فيكون النسخ تخصيصا زمانيا ، والتخصيص ـ المصطلح عليه ـ تخصيصا فرديا.
الخامس : كون الحكم في الواقع هو الحكم الناسخ الذي سيثبت بعد ذلك ، وإنما انشأ المنسوخ لمصلحة مقدمية لبيان الحكم الناسخ في ظرفه.
وكل هذه الوجوه صحيحة في النسخ في القوانين المجعولة ، وفي نسخ الله تعالى لأحكامه المتعالية في شرائعه المقدسة إلا الوجه الأول ، فإنه مستحيل بالنسبة إليه تعالى ، وإن كان هو الغالب في القوانين المجعولة.
ولكن لا محذور في صحة استناد البقية إلى الله تعالى من عقل أو نقل إلا شبهة واهية ، وهي : أنه إن علم الله تعالى بأنه يرفع المنسوخ فلا وجه لإظهاره في صورة الدوام ، وإن لم يعلم فهو مستلزم لجهله تعالى وهو محال ، مع أنه إن كانت في المنسوخ مصلحة فلا وجه للنسخ ، وإن لم تكن فيه مصلحة فلا وجه لجعله حتى ينسخ.
ولكنه مردود : بأنه تعالى يعلم بالنسخ بلا إشكال ، إلا أنه اقتضت المصلحة لإظهاره بصورة الدوام ولا محذور فيه ، ومنه يعلم أنه كانت في المنسوخ مصلحة موقتة تختلف باختلاف المقتضيات والجهات.
وبعبارة اخرى : دليل الناسخ كاشف عن أن المنسوخ كان موقتا في الواقع