فيما يشكل استعمال الإرادة فيه ، كقولك : «طلبت حقي من زيد فأنكر». نعم ، لا ريب في تصادقهما في الجملة ، ولكنه لا يدل على الاتحاد بالكلية.
والظاهر من المحاورات أن الطلب مبرز للإرادة لا عينها ، ونسبة الطلب إلى الإرادة نسبة اللفظ إلى المعنى في الجملة ، ونسبة الكاشف إلى المكشوف مفهوما وحقيقة واستعمالا ، وإن اريد من الاتحاد هذا النحو منه ، فلا ريب فيه في الجملة ، بل الظاهر اختلافهما عرفا أيضا ، لأن إحراز الطلب يكفي في إتمام الحجة وصحة المؤاخذة على ترك المطلوب من حيث أنه إحراز للطلب بخلاف إحراز الإرادة ، فإنه كإحراز الملاك لا بد من كفايته في إتمام الحجة من إقامة دليل عليها من سيرة أو نحوها.
وأما اتحادهما إنشاء فهو مبني على أن يكون مفاد الأمر إنشاء الطلب ، وهو مردود ، لأن مفاده البعث ، والتحريك نحو المتعلق ، فكما يحصل البعث بالترغيب إلى المصلحة ، والزجر عن الترك ، يحصل بلفظ (افعل) أيضا ، فلا موضوع لإنشاء الطلب حتى يبحث عن أنه متحد مع إنشاء الإرادة ، أو لا.
ومن ذلك كله يظهر اختلافهما بالدقة العقلية أيضا ، كما تقدم من أن الطلب عنوان مظهر الإرادة ، ونسبته إليها نسبة اللفظ إلى المعنى ، كما لا يخفى. مع أن من ادعى الاتحاد بينهما لم يأت بدليل عليه إلّا دعوى الوجدان.
ويمكن رفع النزاع من البين بأن من يدعي الاتحاد يريد به الاتحاد في الجملة ، ومن يدعي الاختلاف يدعيه كذلك ، إذ لا ريب عند أحد في تصادقهما في الجملة.
ولا يخفى أن ما اثبتناه من تغاير الطلب والإرادة ليس لدفع محذور شبهة تخلف المراد عن الإرادة ـ كما التزم به الأشاعرة ـ بل لأجل أن التحقيق يقتضي ذلك ، ونجيب عنها بوجه آخر على ما يأتي.
ثم إنه قد جرت العادة في المقام بذكر شبهة الجبر ، وشبهة تخلف المراد