عن الإرادة ، وشبهة الكلام النفسي ، ودفعها ، مع أن كل ذلك لا ربط له بالاصول.
أما الشبهة الاولى ، فهي مورد البحث في جميع الأديان ـ سماوية كانت أو غيرها ـ وهي من الشبهات القديمة جدا. وعمدة المذاهب في أعمال العباد خمسة : ثلاثة منها جبر ، والرابع تفويض ، والخامس أمر بين الأمرين.
الأول من مذاهب الجبر : ما نسب إلى الأشاعرة من نفي الإرادة والاختيار عن العبد مطلقا ، وقالوا : إن نسبة الفعل إلى الله بالحقيقة وإلى العبد بالمجاز ، وإن العبد بالنسبة إليه تعالى ، كالقلم في يد الكاتب ، والسيف في يد القاتل. ومن أمثلتهم : قال الحائط للوتد : لم تشقّني؟ قال : سل عمن يدقّني. واستدلوا عليه بظواهر بعض الآيات ، كقوله تعالى : وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ، وقوله تعالى : وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة. وأن التوحيد الخالص في الفعل يقتضي نفي الإرادة والاختيار عما سوى الله تعالى.
ويرد عليه .. أولا : أن تلك الآيات معارضة بما هو أقوى منها في الدلالة على نسبة الفعل إلى العبد ، كقوله تعالى : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ، ويصح نسبة خلق عمل العبد إليه تعالى بالتسبيب مع اختيار العبد ، كما يأتي. ونفي الرمي عن النبي صلىاللهعليهوآله إنما هو بالنسبة إلى الأثر الخارق للعادة ، لا بالنسبة إلى الفعل المباشري الصادر منه صلىاللهعليهوآله.
وثانيا : أنه مستلزم لنفي الحسن والقبح العقلي المتفق عليهما بين العقلاء.
وثالثا : أنه يلزم منه نفي استحقاق الثواب والعقاب المتفق عليهما في جميع الشرائع الإلهية إلى غير ذلك من المفاسد التي يأبى العقل عنها.
ولو لا ظهور بعض كلماتهم في التعميم لأمكن حمل بعضها على ما لا دخل للاختيار فيه ، كالعزّة ، والذلّة ، والغنى والفقر ونحوهما ، ويمكن أن يحمل الجبر في قولهم على الجبر الاقتضائي ، يعني أن مقتضى الإرادة القاهرة الأزلية الإلهية أن لا تكون في البين إرادة غيرها ، ولكنه تعالى جعل للإنسان بل مطلق