وحسن وصوله إلى المطالب الغامضة قد اضطرب عليه المقام ، كما لا يخفى على كل ناظر للذكرى ...».
ثم إنه قد تعرض الاصوليون لبعض صور التعارض بين الأدلة :
منها : ما إذا ورد عام ، كأكرم العلماء ، وخاصان بينهما التباين ، كلا تكرم الكوفيين منهم ولا تكرم البصريين منهم. وحكمه تخصيص الخاص بكل واحد من الخاصين ما لم يكن محذور في البين من التخصيص المستهجن ونحوه ، وإلا فيعامل معاملة التعارض بين العام ومجموع الخاصين ، ويؤخذ بالأرجح منهما في البين ، ومع فقده فالتخيير.
ومنها : ما إذا ورد عام وخاصان ، وكان بينهما العموم المطلق ، كأكرم العلماء ولا تكرم العراقيين ، ولا تكرم الكوفيين. وحكمه كالقسم الأول ، كما هو الظاهر من المحاورات.
وما يقال : من تخصيص العام بأخص الخاصين ثم ملاحظة النسبة بينه وبين الخاص الآخر ، لا شاهد عليه من عرف أو عقل أو شرع ، وكونه القدر المتيقن من التخصيص ، لا يوجب الظهور في التخصيص به أو لا. نعم ، لو كانا متصلين بالعام يصادم الظهور في العموم ، وحينئذ يكون التعارض بين الدليلين لا أكثر ، فيخرج عن مورد البحث.
ودعوى : أنه مع ملاحظة التخصيص بأخص الخاصين قد تنقلب النسبة إلى العموم من وجه ، فلا بد من ملاحظة النسبة المنقلب إليها.
وهذه الدعوى فاسدة : لأن المدار في النسب الملحوظة في الظواهر ، النسبة الظاهرة الأولية المنساقة من ظاهر الكلام ، لا المنقلبة إليها بعد التخصيص.
ومنها : ما إذا ورد عام وخاصان بينهما العموم من وجه ، كأكرم العلماء ولا تكرم النحاة ، ولا تكرم الصرفيين. وظاهرهم الاتفاق على تخصيص العام بكل منهما ما لم يلزم محذور في البين.