سيئول إليه أمره من الشقاوة أو السعادة ، وفي بعض الأخبار : «السعيد من ختم الله له بالسعادة ، والشّقيّ من ختم له بالشقاوة» ، وفي جملة من الدعوات المعتبرة : «اللهم إن كنت شقيّا فامحني واكتبني من السعداء».
وعلى أي تقدير السعادة والشقاوة المنسوبتان إلى جعله تعالى اقتضائيتان ، لا على نحو العلة التامة المنحصرة الذاتية ، لأنه مع الشقاوة والسعادة الذاتية يلزم منه توالي فاسدات لا يرتضيها العقل والعقلاء ، وتصير هذه الدعوات باطلة ، كما لا يخفى.
وأما ما ورد في الطينة ، فلا تدل على أنها علة تامة منحصرة ، بل غايتها إثبات الاقتضاء لها في الجملة ، ثم بعد الخلط بين الطينتين يصير الاقتضاء أيضا ضعيفا ، فقد خلق الله تعالى الإنسان من مقتضى الخيرات ، ومن مقتضى الشرور لمصالح شتى ، ثم خلق فيه العقل والاختيار ، ثم بعث الرسل وأنزل الكتب وبشّر بالثواب على الخيرات وأنذر بالعقاب على الشرور ، وخلق الجنة والنار ، فلا منشأ لتوهم الجبر والتفويض في أفعال العباد ، كما ورد تفصيل ذلك في الأخبار عن الأئمّة الأطهار ، وتدل عليه الأدلة العقلية ، كما فصّل في محله.
ثم إنه لا اختصاص للأمر بين الأمرين بخصوص أفعال العباد ، بل يجري في جميع المعلولات الحاصلة بالعلل التكوينية ، فالنبات الذي ينبت في الربيع ـ مثلا ـ ينسب إلى المقتضيات التكوينية ، كما ينسب إلى إرادة الله تعالى ، وكذا في تكوين الإنسان والحيوان ، والدم ، واللحم ، وغيرها مما لا يحصى.
وأما الشبهة الثانية ـ وهي شبهة تخلّف المراد عن الإرادة ـ فبيانها : أن الله تبارك وتعالى إما أن يكون قد أراد الإيمان والطاعة من الأنام أو لا فعلى الأول يلزم أن لا يتحقق كافر ولا فاسق ، لامتناع تخلّف مراده تعالى عن إرادته. وعلى الثاني يلزم أن يكون إنزال الكتب وإرسال الرسل لغوا باطلا.
واجيب عنها بوجوه ..