إتمام الحجة وتمامية البيان على المكلّف ، سواء كان موجودا أم غير موجود ، وسواء كان الإظهار على نحو الجملة الخبرية أم الإنشائية ، أم الكتابة أم غير ذلك مما يمكن به الإظهار والإعلان ، ولو فرض أن توجيه الخطاب فيه يكون إلى شخص أو جمع فهو من باب المرآتية لكل من يصلح لذلك ـ غائبا كان ، أو معدوما ـ لغرض أن المتكلم في مقام جعل القانون وإنما اختار الكيفية الخاصة من البيان لدواع خاصة وجهات مخصوصة ، مثل قوله تعالى : يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وقوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .
ويدل على ما ذكرنا العرف ، وبناء العقلاء ، وأصالة عدم اعتبار شيء في الجعل ، من حيث أنه جعل القانون وبيانه وإظهاره من طرف الجاعل.
وما ورد من تعدد نزول القرآن ولا ريب في اشتماله على القوانين الدنيوية والاخروية ، فتارة نزل على اللوح المحفوظ ، واخرى على البيت المعمور ، وثالثة نزل في مكة أو المدينة ، متفرّقا بحسب الوقائع والمناسبات ، وفي جميع أطوار نزوله هو قانون أبدي. هذا في مرتبة أصل جعل القانون.
الثانية : من ناحية الخطاب من حيث أنه خطاب ، فالخطاب هو إبراز المراد في الخارج بما اشتمل على أدوات الخطاب ، سواء كان ذلك بداعي التفهيم والتفهم ـ كما هو الغالب فيه ـ أو بداع آخر ، كجعل القانون ، أو التحسّر ، أو التحزّن ، أو التعشق ، أو غير ذلك من الدواعي الصحيحة الموجودة في الكلمات الفصيحة نظما ونثرا ، ويشهد له خطابات الله تبارك وتعالى مع الجمادات ، كقوله تعالى : يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي . وقوله تعالى : يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ . فيصح الخطاب بداعي جعل القانون بالنسبة إلى الغائب والمعدوم ، كما يأتي لا حقا ، فلا أثر لهذا البحث من هذه الجهة.
ثم إن حضور المخاطب لدى المتكلم بما اشتمل على أدوات الخطاب