الأصل أقوى من أصالة عدم التخصيص ، لما مرّ من كثرة التخصيص ، فأصالة عدم النسخ بمنزلة الأصل الموضوعي ، وأصالة عدم التخصيص كالأصل الحكمي في تقدم الأول على الثاني.
وما قيل : من أنه إذا تأخر زمان صدور الخاص عن العام يتعين النسخ ، لأن الخاص بيان للعام ، ومع التأخر يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو قبيح.
مدفوع .. أولا : بأن تأخير البيان القبيح إنما هو في ما إذا علم أن المقتضي له موجود من كل جهة والمانع مفقود كذلك ، وأما مع عدم العلم به فلا محذور فيه ، بل قد يجب ذلك ، فكيف بما إذا علم بالعدم؟! وقد جرت سيرة العقلاء أنهم يجعلون القوانين العامة ثم يذكرون مخصصاتها في طول شهور بل أعوام ، هذا حال القوانين الوضعية الزائلة فكيف بالقوانين الأبدية التي يختلف الحكم فيها باختلاف الموضوعات والأحوال مع أن موجبات تأخير البيان كثيرة جدا ، كقصور الظروف ، والأفهام والتقية ونحو ذلك.
وثانيا : أن الناسخ بيان أيضا للمنسوخ كالخاص ، غاية الأمر أن الخاص بيان لأفراد العام ، والناسخ بيان لأزمانه ، فلا فرق فيهما من هذه الجهة ، فالنسخ تصرّف في المنسوخ زمانا ، والتخصيص تصرّف في العام فردا ، مع اشتراكهما في جامع البيانية.
وأما ما قيل : من أنه إذا ورد العام أو الخاص قبل حضور وقت العمل بالآخر ، يتعين التخصيص ولا يصح النسخ حينئذ ، لعدم صحة النسخ قبل حضور وقت العمل بالمنسوخ.
فهو فاسد : لأن الغالب في النسخ وإن كان بعد حضور وقت العمل بالمنسوخ ولكن ليس ذلك من مقوماته الذاتية بحيث يقبح بدونه ، بل المناط كله وجود مصلحة فيه ، سواء كان قبل حضور وقت العمل بالمنسوخ ، أو في أثنائه ، أو بعده.