جدا ، بل كانت في قديم الأزمان معتقد بعض أعاظم حكماء يونان ، وتظهر من كلمات بعض أهل العرفان ، حيث يقولون : إن العقل شرع داخلي والشرع عقل خارجي ، ولا فرق بينهما في حاق الواقع ، فلو تجسّم العقل لكان بصورة النبي ، كما لو تجرد النبي لصار العقل بعينه ؛ بلا فرق بينهما إلا باختلاف النشأة والعالم ، ولهذا بحث طويل عريض جدا ، وسنشير إلى بعض ما يتعلق بهذه القاعدة في مباحث حجية الحجج إن شاء الله تعالى ، وليس المقام مناسبا لذكرها ، لأن المقام يبحث فيه ـ كما أشرنا إليه ـ عن صغريات الحجة ، وقاعدة الملازمة لا بد وأن تذكر في كبراها.
وأما أن العقل شرع من الداخل ، والشرع عقل من الخارج فهو صحيح في الجملة ، كما ورد فيه الحديث.
المبحث الثالث : الملازمات العقلية غير المستقلة ، أي : حكم العقل المتوقف على شيء خارج عن حكمه. مثل الملازمة بين وجوب المقدمة وذيها ، إذ لو لا وجوب المقدمة في الخارج لما حكم العقل بهذه الملازمة ، وأن الإتيان بالمأمور به يقتضي الإجزاء ، إذ لو لا وجود المأمور به في الخارج ، لا موضوع لحكم العقل بذلك.
والملازمات غير المستقلة كثيرة ، لأن الفقه مبني على الاستظهارات الصحيحة والاستنباطات الحسنة ، وهذه تتوقف على الذوق السليم والذهن المستقيم ، وهما من أهم أجنحة العقل الذي يطير بهما في العلوم مطلقا ، وإنما نتعرض هنا لبعض مهماتها ، ولا اختصاص لها بصناعة الاصول ، بل كل علم وفن وصنعة تكون لها جهات خارجية تجري فيها الملازمات العقلية غير المستقلة.
المبحث الرابع : بناء العقلاء وسيرتهم ، وقد جرت سيرة العلماء على التمسك بهما ، وهما من أهم الامور النظامية ما لم تردع عنه الشريعة الإلهية ، وقد بنينا جملة كثيرة من الفروع خصوصا في المعاملات عليهما ، فليراجع كتابنا في