منزلة المعاني الحقيقية.
وفيه : أنه يحتاج إلى عناية خاصة ، والأصل عدمها.
ويمكن اختيار الاحتمال الثالث وإرجاع الأول إليه.
وعلى أي تقدير يكون ذلك مشروطا بعدم استنكار أهل المحاورة ، سواء أذن الواضع فيه أم لا. وأما مع الاستنكار ، فلا يصح وإن أذن الواضع فيه. والاستنكار وعدمه يختلفان بحسب الأعصار والأمصار والعادات المختلفة غاية الاختلاف. فالمجاز ، والاستعارة ، والكناية من مجرد الاصطلاح ـ والمدار كله على صحة الاستعمال بحسب الذوق السليم والطبع المستقيم ـ سمي بتلك الاصطلاحات أو لا ، كما أن الإفادة والاستفادة تدوران مدار الظهور ، فمعه تصح وإن كان المعنى غير حقيقي ، ومع عدمه لا وجه له وإن كان حقيقيا.
ومن ذلك كله يظهر أن الاستعمال لا ينحصر في الحقيقة والمجاز ، بل يصح كل ما قبله الأذهان المستقيمة من أهل المحاورة ، سمي بالحقيقة أو المجاز ، أو لا. كاستعمال اللفظ في نفسه أو مثله أو نوعه ، كما إذا قيل (زيد لفظ) واريد نفسه ، أو قيل : زيد في (زيد قائم) مبتدأ واريد مثله ؛ أو قيل ذلك واريد نوعه ، فإن كل ذلك يصح في المحاورات الصحيحة.
وإشكال وحدة الدال والمدلول ، مدفوع : بتعدد الجهة والحيثية مع أنه لا محذور فيه ، فقد قال عليهالسلام : «يا من دلّ على ذاته بذاته».
وقد تقدم أن مقتضى الأصل عدم الوضع للمجازات ـ ولو نوعا ـ كما أن مقتضاه عدم الحصر للعلائق المجازية ، بل الاستعمالات المجازية تدور مدار الأذواق السليمة المختلفة بحسب العادات والأعصار والأمصار التي لا تضبطها ضابطة كلية ، وما ذكر في العلوم الأدبية من العلائق المجازية إنما هو بحسب الغالب لا الاستقصاء. وبذلك كله يسقط البحث عن جملة كثيرة من مباحث الحقيقة والمجاز التي أطيل فيها الكلام من دون أن تكون فيها ثمرة عملية بل ولا علمية.