الالتفات إليها ولو مع الغفلة عن اللابدية العقلية ، بل ربما يجعل الأمر بالمقدمة أصيلا والأمر بذيها تبعيا ، فيقال : اركب السيارة واذهب إلى الزيارة ، فينطوي في الطلب التفصيلي لذي المقدمة طلب جميع المقدمات ، انطواء الفرع في الأصل ، والإرادة الإجمالية في الإرادة التفصيلية الالتفاتية ، هذا مع اتفاق العقلاء على وجود أوامر غيرية فيما بينهم ، ووجود أوامر غيرية في الشرع أكثر من أن تحصى ، وصحة استعمال الأمر فيها في المحاورات العرفية بلا شبهة. وجعل ذلك كله إرشادا إلى الشرطية ، والجزئية والمانعية ، وهذا لا ربط له بكون نفس الأمر الغيري إرشادا ، كما لا يخفى. فالوجدان والاتفاق على الوقوع من أكبر الأدلة عليه.
وبعد ذلك لا نحتاج إلى ما يقال : من أنها لو لم تجب فلا مانع من طرف الشارع في تركها ، ومع الترك إن بقي الواجب على وجوبه فهو تكليف بما لا يطاق ، وإلا انقلب الواجب المطلق مشروطا ، وهو باطل.
وهذا الاستدلال فاسد من أصله ، لأن عدم المنع من طرف الشارع في ترك الواجب لا يوجب التكليف بما لا يطاق ، لتمكن المكلف من الإتيان به وحكم العقل باللابدية ، فيصح العقاب على ترك الواجب حينئذ.
كما لا وجه للتفصيل بين السبب وغيره بدعوى وجوبها في الأول وعدمه في الأخير ، لأن المسبب بدونه غير مقدور ، والتكليف إنما توجه بالسبب ، وذلك لأن القدرة بالواسطة تكفي في توجّه التكليف ، مع أنه ليس بتفصيل في وجوب المقدمة وإنما هو قول بتوجّه الوجوب النفسي إلى السبب فقط.
وكذا لا وجه للتفصيل بين الشرط الشرعي وغيره بالوجوب في الأول دون الأخير ، بدعوى : أنه لو لا وجوبه شرعا لما جعله الشارع شرطا. فإنه باطل أيضا.