وثانيا : أن الاستحباب في العبادات الواجبة إن كان بمعنى رجحان الفعل مع جواز الترك ، لا بد أن يحمل جواز الترك على جهة خارجة عن ذات الواجب ، مثل الخصوصية الخاصة التي تعلق بها الاستحباب ، كلبس العقيق في الصلاة مثلا. وإلا لخرج عن وجوبه ، إن تعلّق جواز الترك بذات الواجب ، وهو خلف. والكراهة فيها وفي العبادات ، لا بد أن تحمل على الجهة الخارجة عن الذات للزوم رجحان الذات في العبادة مطلقا ، ولا محذور فيه بعد ارتفاع غائلة اجتماع الضدين بتعدد الجهة ، كما يأتي.
وثالثا : الاستحباب في العبادات الواجبة بمعنى أكثر ثوابا ، والكراهة فيها وفي العبادات المندوبة بمعنى الأقل ثوابا ، وليس ذلك من التضاد في شيء.
لا يقال : أقلية الثواب إن لوحظت بالنسبة إلى أصل طبيعة العبادة يلزم خروج الواجب عن وجوبه ، لأن ثواب الطبيعة محدود بحد معين ، فمع الخروج عنه يلزم الانقلاب ، وإن لوحظ بالنسبة إلى الفرد ، يلزم في كل فرد يكون أقل ثوابا بالنسبة إلى الفرد الآخر ، أن يصير مكروها ، ولا يقول أحد بذلك.
فإنه يقال : يمكن اختيار الأول من دون لزوم المحذور ، لأن الطبيعة ، ليست محدودة بحد خاص من الثواب قلة وكثرة ، وهي لا اقتضائية بالنسبة إليه ، بل ليس الثواب في مرتبة الطبيعة أصلا ، وإنما هو معلول الامتثال القابل لزيادة الثواب وقلته بحسب الحالات والخصوصيات ، ويمكن اختيار الثاني أيضا ولا يلزم المحذور ، إذ ليس المدعى أن كل ما هو أقل ثوابا من غيره فهو مكروه ، بل المدعى أن ما دل عليه الدليل في عبادة أنها مكروهة ، يمكن أن تكون الكراهة فيها بمعنى أقلية الثواب بالنسبة إلى غيرها ، ولا محذور فيه أبدا.
ورابعا : أن الكراهة فيها اقتضائية لا فعلية ، فلا تنافي العبادية الفعلية ، فالمعنى أن في العبادات المكروهة اقتضاء الكراهة ولكن لا تصل إلى مرتبة الفعلية ، لغلبة رجحان العبادة عليها.